دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – ماذا لو تسبب الانزعاج التركي بتقسيم إقليم كردستان؟

صيف بغداد الساخن لهذا العام قد يحمل الكثير من المفاجآت والأحداث لمنطقة تجلس على صفيح ساخن والتخوف من حرب تُشعل المنطقة تبدأ بشرارة والقلق الذي يشغل الحكومة الاتحادية في بغداد.

هل تعلم بغداد بالنشاط المأزوم الذي ربما يتحول إلى توغل تركي داخل الأراضي العراقية

لم يتبقّ سوى أيام من المُهلة التي منحها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للاعتراف بحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) وجماعة غولن كمنظمتين إرهابيتين، حتى بدأت تلوح في الأفق أزمة أبطالها أحد الشركاء في الإدارة الحاكمة في كردستان؛ وتحديداً بين الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني الذي يتخذ من السليمانية مقراً له، وبين تركيا التي بدأت تُصعّد مؤخرا هجمات كانت قد بدأتها بإسقاط مروحية تابعة لـ»بي كي كي» على أراضي إقليم كردستان وضمن منطقة حزب طالباني، واتهام الكرد بتزويد تلك المنظمات بالمروحيات، قامت على إثرها أنقرة بإلغاء كافة الرحلات الجوية من وإلى مطار السليمانية.

ويبدو أن التصعيد الأخير في قصف مطار السليمانية بحجة استيلاء منظمات إرهابية عليه، حسب الادعاء التركي، سيزيد من حجم الفجوة بين الحزبين الحاكمين في الإقليم، الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني برئاسة بافل طالباني، خصوصاً بعد توجيه الأخير اتهاما مُبطناً إلى وكالة مخابرات أمنية محلية بالتواطؤ في استهداف المطار.

◙ التوغل التركي داخل الأراضي العراقية بحجة محاربة المنظمات الإرهابية آتٍ لا محالة، خصوصاً بعد انتهاء مُهلة الشهر التي منحها أردوغان للعراق

حرب التصريحات هذه بدأت تشتعل بين الطرفين حين هاجم المتحدث الرسمي لحكومة الإقليم قوباد طالباني متهماً حزبه بعرقلة عمل الحكومة ومؤسساتها من خلال سيطرة أجندات الحزب على بعض مفاصل الإقليم، مؤكداً أن المواطن في المنطقة بات في وضع سيء.

وصل الاتهام إلى وصف طالباني بالنائب “الفضائي” لرئيس الوزراء، من جهته اتهم حزب طالباني المتحدث باسم إقليم كردستان جوتيار عادل بأنه ليس متحدثاً باسم حكومة الإقليم، ولكنه يمثل حزباً داخل الحكومة.

حادثة قصف مطار السليمانية من قبل مُسيّرة يُشتبه بأنها تركية، كانت تستهدف إحدى القيادات في قوات سوريا الديمقراطية، تكشف عن أزمة جديدة بين تركيا وواشنطن المتهمة بتزويد تلك المنظمات بطائرات الهليكوبتر، أو على الأقل السماح باستخدامها في أنشطة تُقوّض السيادة العراقية، مع اكتفاء قيادة التحالف الدولي ببيان خجول وصمت مريب على تفاصيل تلك الحوادث.

هل تعلم بغداد بذلك النشاط المأزوم الذي ربما يتحول إلى توغل تركي داخل الأراضي العراقية؟ وكيف وصلت تلك المروحيات إلى الجماعات المسلحة؟ وما هو موقف التحالف الدولي المسؤول عن الأجواء العراقية في تحليق تلك الطائرات لتهديد الأمن والسلم؟

أنقرة ابتدأت بالتصعيد منذ أن أوقفت رحلات الطيران التركي إلى مطار السليمانية وشنت القصف، بعد وصول معلومات استخبارية عن زيارة قام بها بافل طالباني إلى مدينة الحسكة السورية ولقائه بمظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تُصنفها تركيا منظمة إرهابية، وما حملت هذه الزيارة من رسائل سياسية وضغوط تركية على حكومة بغداد من أجل وأد الصلة مع المنظمات الكردية المناوئة لها.

غلق المجال الجوي باتجاه مطار السليمانية وقصف مطارها بعد معلومات عن وجود مسؤول كبير من قوات سوريا الديمقراطية كان يروم المغادرة إلى غرب كردستان سوريا، وتورط أميركي بنقل ذلك المسؤول إلى موطنه، يوحي بأن الأزمة بدأت تتّسع مثل كرة الثلج التي تكبر وربما بدأت تتحول من أزمة محلية إلى دولية وإقليمية.

حادثة المطار توحي بأن هناك انشقاقا يلوح في النظام السياسي الكردي، مما قد يجعل إدارة الإقليم تتحول إلى إدارتين منفصلتين.

◙ يبدو أن التصعيد الأخير في قصف مطار السليمانية بحجة استيلاء منظمات إرهابية عليه، حسب الادعاء التركي، سيزيد من حجم الفجوة بين الحزبين الحاكمين في الإقليم

التوغل التركي داخل الأراضي العراقية بحجة محاربة المنظمات الإرهابية آتٍ لا محالة، خصوصاً بعد انتهاء مُهلة الشهر التي منحها أردوغان للعراق، ويبدو من قراءة الوقائع أن بغداد أثبتت عجزها عن مكافحة تلك المنظمات الإرهابية، مما يجعل تركيا تفكر بأخذ زمام المبادرة بنفسها وهو ما يُعقّد الأزمة خصوصاً إذا كانت الولايات المتحدة حاضرة بقوة بذلك النشاط المأزوم.

الصورة التي بدأت تأخذ أبعادا ثلاثية بدأت من حزب طالباني (اليكتي) الذي بدأ يطرح نفسه ضمن معادلة إقليمية تمثلها إيران، لذلك لم يعد هناك ما يخشاه من تحركاته، كما تدّعي بعض المصادر السياسية، وتصريح البنتاغون عن وجود عناصر أميركية تعرضت للاستهداف ضمن عملية الاغتيال التي استهدفت زعيم قوات سوريا الديمقراطية يكشف حجم التورط الأميركي لدعم تلك الجماعات الإرهابية حسب تصنيف أنقرة، وذلك المشهد السياسي في البيت الكردي الذي يوحي بالانقسام حين أصبح يتعقد يوماً بعد آخر وتخوف حكومة بغداد من القادم.

المحصلة أن صيف بغداد الساخن لهذا العام قد يحمل الكثير من المفاجآت والأحداث لمنطقة تجلس على صفيح ساخن، والتخوف من حرب تُشعل المنطقة تبدأ بشرارة، والقلق الذي يشغل الحكومة الاتحادية في بغداد.

سمير داود حنوش – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة