دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – عودة سوريا عربياً

هناك من التعقيدات ما يجعل الحديث عن انفراج تام للأزمة السورية في وقت قريب مسألة صعبة ولكن الجهود التي تبذلها دولة الإمارات تدفع باتجاه تسريع وتيرة البحث عن حلول.

ملف سوريا يمثل أحد أبرز الشواغل العربية إستراتيجيا
في زيارة تنطوي على أبعاد ودلالات وتفتح الباب أمام تحولات عربية مهمة، استقبلت دولة الإمارات مؤخراً، الرئيس السوري بشار الأسد، حيث حظي بترحيب من رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان معلناً في تغريدة على موقع تويتر عن إجراء “مباحثات إيجابية وبناء لدعم العلاقات الأخوية وتنميتها لمصلحة البلدين والشعبين الشقيقين”، ونقل عن الشيخ محمد بن زايد قوله “إن أشقاءكم في دولة الإمارات يقفون معكم قلباً وقالباً، وإن غياب سوريا عن أشقائها قد طال وحان الوقت لعودتها إليهم وإلى محيطها العربي”.

هذه الزيارة تنطوي على أبعاد ودلالات مهمة، أهمها أنها تمثل استكمالاً لدور الإمارات في دعم سوريا وشعبها، حيث تسعى القيادة الإماراتية منذ فترة لعودة سوريا إلى حاضنتها العربية إدراكاً لأهمية هذه الخطوة في تسريع عملية إعادة بناء سوريا وتسوية الأزمة التي طالت وتحولت إلى أحد الملفات المنسية عالمياً، ولاسيما بعد انشغال القوى الكبرى بحرب أوكرانيا.

ملف سوريا أحد أبرز وأهم الشواغل العربية إستراتيجيا بالنظر إلى أهمية سوريا الإستراتيجية، فضلاً عن تفاقم الأزمة التي حوّلت الملايين من أبناء الشعب السوري الشقيق إلى لاجئين في دول أخرى عدة أبرزها تركيا، ولهذا تبدو سوريا في حاجة ماسة إلى دعم أشقائها العرب، وإلى تكاتف جهود الجميع من أجل دفع جهود تسوية الأزمة السورية من مختلف جوانبها، الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والإنسانية، ولاسيما بعد كارثة الزلزال التي ضاعفت معاناة الشعب السوري وأكدت أهمية التضامن مع سوريا في هذه المحنة الإنسانية.

الشيخ محمد بن زايد: غياب سوريا عن أشقائها قد طال وحان الوقت لعودتها إليهم وإلى محيطها العربي
الشيخ محمد بن زايد: غياب سوريا عن أشقائها قد طال وحان الوقت لعودتها إليهم وإلى محيطها العربي
زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الإمارات، وهي الثانية له منذ بدء الأزمة في بلاده عام 2011، تعكس عمق الموقف الإماراتي وخصوصيته تجاه سوريا منذ عام 2018، مروراً بأزمة كورونا والزيارات المتكررة التي قام بها الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي إلى سوريا، حيث انطوت حفاوة الترحيب الرسمي الإماراتي بالرئيس السوري في زيارته الثانية على دلالات تستحق التوقف عندها كثيراً، حيث جاء الترحيب رسمياً ولافتاً يليق بسوريا البلد العربي العريق العائد إلى حضن أشقائه العرب، كما انطوى كذلك على رسالة ضمنية تشير إلى بداية مرحلة جديدة في العلاقات العربية ـ السورية، وإلى رغبة رسمية إماراتية مؤكدة في إحداث اختراق نوعي على مستوى الموقف العربي الجماعي تجاه سوريا، وحلحلة الأزمة السورية نفسها في ظل العلاقات القوية للإمارات مع جميع أطراف الأزمة إقليمياً ودولياً، ولاسيما أن الزيارة قد ترافقت مع مؤشرات عدة على انفتاح عربي على عودة سوريا وإنهاء عزلتها، حيث حدث انفراج في العلاقات بين دمشق والرياض، وقبل ذلك بنحو شهر كان الرئيس الأسد قد زار سلطنة عمان.

المؤكد أن هناك شبه إجماع عربي رسمي على ضرورة الانفتاح على سوريا، وأن الوضع الراهن المستمر منذ عام 2011 يصعب أن يستمر، ليس فقط في ظل الحاجة الملّحة إلى دعم الشعب السوري ومساندته وتهيئة الظروف لعودة الملايين من اللاجئين إلى بلدهم، ولكن أيضاً لأن هناك انفراجا في مجمل العلاقات الإقليمية، بما يصعب معه الإبقاء على وضع دولة عربية محورية كسوريا بمعزل عمّا يدور إقليمياً.

هناك، في المقابل، حاجة سورية أكثر إلحاحاً إلى دعم عربي يقوي الموقف السوري في أيّ جهود تستهدف تسوية الأزمة التي تشهدها البلاد منذ عام 2011، ولا شك أن حالة الانفراج التي تشهدها العلاقات العربية مع القوتين الإقليميتين الأكثر ارتباطاً بالشأن السوري، تركيا وإيران، يمكن أن تسهم في تسريع وتيرة التوصل إلى حلول تحفظ لسوريا أمنها واستقرارها وسيادتها ووحدة أراضيها، وفي هذا الإطار تتردد مقترحات عربية عدة بحثاً عن حلول للأزمة، إلى جانب أن هناك جهود فردية مهمة تبذلها دولة الإمارات لمساندة سوريا في أزمتها، لاسيما أن الأزمة في هذا البلد العربي قد تعمقت لدرجة يصعب معها توقع التوصل إلى حلول سريعة سواء بسبب تشابك المصالح وتعدد الأطراف الإقليمية والدولية، فضلاً عن التعقيدات المرتبطة بالواقع الميداني على الأرض ووجود ميليشيات يحتاج التعامل معها وإنهاء دورها لمصلحة استعادة دور الدولة السورية، جهوداً كبيرة للغاية.

الحقيقة أن هناك من التعقيدات ما يجعل الحديث عن انفراج تام للأزمة السورية في وقت قريب مسألة صعبة، ولكن الجهود التي تبذلها دولة الإمارات تدفع باتجاه تسريع وتيرة البحث عن حلول، اقتناعاً من الإمارات بضرورة تضافر الجهود جميعها من أجل نزع فتيل التوترات وتحقيق الأمن والاستقرار إقليمياً.

د.سالم الكتبي – كاتب إماراتي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة