دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – تراخي الإدارة الأميركية يشجع الميليشيات الإيرانية في سوريا

الردود المحدودة شجّعت على زيادة الهجمات وجعلت القوات الأميركية فرائس أسهل وهو ما دفع مشرعين جمهوريين في الكونغرس إلى اتهام إدارة بايدن بالتساهل مع طهران والفشل في حماية القوات الأميركية.

أي فعالية لسياسة إدارة بايدن بخصوص إيران؟

أثار تصعيد الهجمات الأخير ضد القوات الأميركية في سوريا تساؤلات عن مدى فعالية سياسة إدارة الرئيس جو بايدن بخصوص إيران، إضافة إلى مخاوف من احتمال اندلاع صراع جديد في المنطقة.

وبينما ارتفعت وتيرة الهجمات خلال العامين الماضيين، كانت الموجة الأخيرة مقلقة أكثر من المعتاد. واندلعت سلسلة من الأعمال الانتقامية المتبادلة بين القوات الأميركية والميليشيات المدعومة من إيران في 23 مارس، إثر هجوم بطائرة مسيرة على منشأة صيانة تابعة للجيش الأميركي في الحسكة الواقعة شمال شرق سوريا.

وأسفر الحادث عن مقتل مقاول أميركي وإصابة عدد من الجنود، مما دفع واشنطن إلى شن سلسلة من الهجمات القاتلة ضد الميليشيات المدعومة من إيران التي ردت مرة أخرى بشن هجمات على قواعد قوات التحالف في سوريا.

ويختلف الأمر عن الحوادث السابقة، حيث سجل هجوم الطائرات دون طيار عددا أكبر من الضحايا مقارنة بنتائج الهجمات العشر التي سُجلت على امتداد العامين الماضيين.

تشير هذه التطورات بقوة إلى أن الرد الناعم لواشنطن على الميليشيات المدعومة من إيران لا يؤدي سوى إلى المزيد من العدوان القاتل. وكما قال مسؤولون في البنتاغون لوكالة صوت أميركا خلال الشهر الماضي إن الهجمات الأخيرة تسببت في إصابات في الدماغ لـ23 عسكريا.

84 هجوما على الأقل على مواقع تستضيف القوات الأميركية أو المتعاقدين في العراق وسوريا منذ تولي الرئيس بايدن منصبه

ويُعتقد أن للولايات المتحدة حوالي 900 جندي في سوريا. وتدعم هذه القوات في الغالب قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في قتالها ضد بقايا داعش لمنعها من استعادة السيطرة على الأراضي.

لكن لا تتمركز جميع القوات الأميركية داخل المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد. كما أن وجود واشنطن العسكري كبير نسبيا في منطقة التنف الواقعة على طريق إستراتيجي يربط إيران بلبنان عبر العراق وسوريا. ويُنظر إلى القاعدة على نطاق واسع على أنها جزء من الإستراتيجية الأميركية الأكبر لاحتواء النفوذ العسكري الإيراني في المنطقة.

وسُجّل 84 هجوما على الأقل على مواقع تستضيف القوات الأميركية أو المتعاقدين في العراق وسوريا خلال الأشهر الـ27 منذ تولي الرئيس بايدن منصبه، أي ما يزيد قليلا عن ثلاث هجمات في الشهر. ويعدّ هذا المعدل غير مسبوق في تاريخ العمليات الأميركية في سوريا.

وشُنّت جلّ هذه الهجمات ضد مواقع أميركية في شمال شرق سوريا حيث تتزايد العمليات ضد داعش. ولم تُستثن قاعدة التنف من هذه العمليات على الرغم من أهميتها بالنسبة إلى إيران. والجدير بالذكر أن الطائرات المسيرة التي اعتمدت في الهجمات على سوريا كانت مماثلة لتلك المستخدمة ضد القواعد الجوية الأميركية في العراق، مما يشير إلى احتمال تورّط الميليشيات المدعومة من إيران في الغارات التي ضربت كلا البلدين، بما في ذلك غالبية الهجمات التي لم تُنسب إلى أي طرف.

وبينما يبدو الهدف المشترك هو طرد القوات الأميركية من سوريا، تبقى الدوافع التي سببت الهجمات متباينة. ويُعتقد مثلا أن هجمات يناير كانت مدفوعة برغبة الفصائل المدعومة من إيران في إحياء الذكرى الثالثة لاغتيال القائد العسكري قاسم سليماني في غارة جوية أميركية في يناير 2020.

ويُشتبه في ارتباط هجمات أخرى بالمفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران. وقالت عدة مصادر دبلوماسية إن بعض الهجمات هدفت إلى التأثير على المفاوضات بينما خطط متشددون لهجمات أخرى بهدف إنهاء الحوار تماما.

وقال مسؤولون أميركيون وإسرائيليون في الأثناء إن الجماعات المدعومة من إيران في سوريا تهاجم القوات الأميركية ردا على الضربات الجوية الإسرائيلية، إضافة إلى هجماتها في إطار الرد على الضربات الجوية الأميركية.

وكانت الردود تستهدف القوات الأميركية لأنها تعتبر أسهل وأقل خطورة مقابل افتقار المقاتلين المدعومين من إيران إلى القدرة (أو حتى الرغبة) في مهاجمة إسرائيل مباشرة. وسُجّل هجومان الشهر الماضي بعد يوم من غارات جوية يشتبه في كونها إسرائيلية، وكانت قد استهدفت الفصائل المدعومة من إيران في سوريا في 12 و22 مارس.

عدم الرغبة في إثارة مواجهة شاملة يعزى إلى مخاوف من أن يؤدي سوء التقدير إلى تصعيد حاد. وهو ما يبقي الجميع في حالة توتر دائم

لم تكن هذه العوامل جديدة ولا يمكن أن تكون السبب الوحيد للزيادة الأخيرة في الهجمات ضد القوات الأميركية. وقد يكمن الجواب في سياسة الولايات المتحدة الخارجية التي تبنتها إدارة بايدن.

وشجّعت قرارات البيت الأبيض الانسحاب من أفغانستان وإنهاء المهمة القتالية الأميركية في العراق الميليشيات المدعومة من إيران على اختبار حدود واشنطن في كل من سوريا والعراق. لكن الأهم من ذلك هو امتناع الولايات المتحدة عن الانتقام بقوة من المتورطين في الهجمات على قواعدها.

وشنت إدارة بايدن حتى الآن أربع جولات فقط من الضربات الجوية الانتقامية ردا على 84 هجوما في العراق وسوريا. واقتصرت هذه العمليات الانتقامية على استهداف البنية التحتية التابعة للجماعات المدعومة من إيران بدلا من معاقبة الجماعات نفسها.

وأدّت الردود المحدودة إلى زيادة جرأة هجمات المعتدين المتحالفين مع إيران، وجعلت القوات الأميركية فرائس أسهل. واتهم المشرعون الجمهوريون في جلسات استماع في الكونغرس الشهر الماضي إدارة بايدن بالتساهل مع طهران والفشل في حماية القوات الأميركية.

بُنيت رغبة واشنطن في الحد من مخاطر التصعيد مع إيران على عوامل يمكن تفهمها. لكن الولايات المتحدة رفعت من حدة المخاطر التي يواجهها الجنود الأميركيون في سوريا بفشلها في فرض إستراتيجية ردع كافية.

والأهم من ذلك، عدم الرغبة في إثارة مواجهة شاملة يعزى إلى مخاوف من أن يؤدي سوء التقدير إلى تصعيد حاد. وهو ما يبقي الجميع في حالة توتر دائم.

حايد حايد – صحفي سوري – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة