دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – أيام العراقيين الصعبة

خيارات العراق المحدودة وفي أحسن الأحوال ضعيفة تجعل من مهمة حكومة السوداني صعبة وقد تلجأ إلى التلويح بتقديم الاستقالة أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة وهو ما عجل من زيارة قاآني للعراق.

بانتظار ما تحمله الأيام القادمة من مفاجآت
يدرك رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أنه أصبح غير قادر على كبح جماح الجماعات المسلحة التي أصبحت صواريخها ومُسيّراتها تؤرّق الأميركيين وتقض مضاجعهم وتسبب خللاً في البيئة العراقية المأزومة أصلا، فلا غرابة أن تخرج من دهاليز السياسة رائحة كلام عن تهديد مُبطّن للسوداني تدفعه إلى تقديم الاستقالة، ما لم تتوقف الهجمات على قوات التحالف الدولي، بعد أن وقفت الحكومة العراقية عاجزة للنأي بنفسها عن شبهة المشاركة في استهداف القواعد الأميركية ومصالحها.

ذلك الضغط السياسي الذي يمارسه رئيس الوزراء عبر قوى الإطار التنسيقي ومن ورائها طهران هو أضعف الإيمان لتخفيف الحرج الذي لا تُحسد عليه الحكومة العراقية.

زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني وعلي أكبر أحمديان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لبغداد جاء بعد أن وجدت طهران أن الرد الأميركي قادم لا محالة وضرورة إيجاد ضبط لإيقاع التصرفات بين الفصائل المسلحة والجانب الأميركي، خصوصا مع الفهم الإيراني بضرورة أن يبقى العراق حليفاً للولايات المتحدة لأن الجارة الشرقية تدرك أن بقاء هذا الحليف يعني ديمومة حصولها على الدولار إضافة إلى ما تجنيه من بيع الغاز والكهرباء وأكثر من 450 سلعة وخدمة إيرانية تقدم للعراق، واستمرار ذلك الحلف يعني حصول طهران على أكثر من 30 مليار دولار سنويا من “حديقتها الخلفية” العراق، متفوقا على لبنان واليمن وسوريا التي أصبحت أعباء إضافية على طهران التي تعيش ظروفا اقتصادية صعبة.

وجود قاآني في بغداد المتزامن مع أزمة إعادة انتخاب البديل لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ولتقريب وجهات النظر بين قوى الإطار التنسيقي التي بدأت أحزابها بالتخالف والاختلاف بالرأي حول الوجود الأميركي في العراق، مع ما ظهر للعلن تحت قبة البرلمان من تنافر واشتباك سياسي من ترشيح الحلبوسي لخليفته لرئاسة المجلس شعلان الكريّم واتهامه بالانتماء إلى حزب البعث المنحل.

◙ الولايات المتحدة تدرك جيدا أن العراق وبوجود خصوم لها في المنظومة السياسية لن يكون حليفا قويا ومميزا لها، لكنها لا ترغب بالتخلي عن دعمها له

كان خبر إيقاف الرحلات في مطار بغداد مساء الاثنين لعدة ساعات لافتا، خصوصا أنه جاء في لحظة التصعيد بين الفصائل والقوات الأميركية عقب قصف قاعدة التنف، حيث تشير المعلومات إلى أن السبب لم يكن نتيجة أعمال الصيانة، حسب الرواية الرسمية وإنما كان بسبب زيارة مسؤولين أميركيين إلى بغداد.

الرد الأميركي القادم بعد استهداف قاعدته في الأردن وقتل ثلاثة من جنوده وإصابة أكثر من 30 جنديا بجروح ربما لن يقتصر على العراق فقط بل سيستهدف ما هو أبعد منه، خصوصا مع وجود ثلاثة أنواع من الطيران الأميركي الإستراتيجي، وهو ما يعزز فرضية تعدد الأهداف للقصف الأميركي المحتمل بعد أن دخلت طائرة أف – 35 إلى المنطقة مسنودة بتعاون أميركي – بريطاني، مما يعني أن الحشود التي تتجمع حاليا لا تتناسب مع العمليات في العراق وسوريا مع أن الضربة التي انطلقت من “قاعدة علي” في سوريا – البوكمال حيث كانت الخسائر كبيرة لم تتوقع القواعد المتواجدة في تلك المناطق أن تطالها الضربات على اعتبار أنها خارج معادلة الصراع والتموضع كان مريحا واحتمالية أن توجه ضربات إلى الداخل الإيراني واردة.

المفاوضات التي يتم الإعداد لها بين العراق والولايات المتحدة قد تصبح بفعل الأحداث الأخيرة عُرضة للانهيار وتنهي الحوار، مع وجود يقين أميركي بأن الخروج من العراق سيتسبب في أزمة سياسية تصيب الحكومة بعد أن صرّحت أطراف مشاركة في النظام السياسي خشيتها من هذا الخروج، مع وجود تنظيم داعش الذي لا يزال خطره قائما كما صرّح بذلك بافل طالباني رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني.

خيارات العراق المحدودة وفي أحسن الأحوال ضعيفة تجعل من مهمة حكومة السوداني صعبة وقد تلجأ إلى التلويح بتقديم الاستقالة أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة مما عجّل من زيارة قاآني لتهدئة الأوضاع على الساحة العراقية.

الولايات المتحدة تدرك جيدا أن العراق وبوجود خصوم لها في المنظومة السياسية لن يكون حليفا قويا ومميزا لها، لكنها لا ترغب بالتخلي عن دعمها له بعد أن صرفت مليارات الدولارات والمئات من الجنود القتلى، وتدرك أن توقف الدعم يعني انهيار المنظومة السياسية والاقتصادية لهذا البلد، وهو ما لا تريده الولايات المتحدة المقبلة على انتخابات في نهاية هذا العام، وما قد يتسبب فيه ذلك من تدهور في الوضع الانتخابي للرئيس الأميركي جو بايدن وأيضا إيران المستفيدة من خيرات هذا البلد.

العراقيون الذين ضاعوا بين “حانة ومانة” يدركون أن أيامهم القادمة صعبة بانتظار القادم من المفاجآت.

سمير داود حنوش – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة