مصادر سياسية تتوقع أن إيران إن صدقت النوايا ستقوم في الفترة القادمة، وضمن التزاماتها المشروطة، بالتخلي عن وكلائها في المنطقة وأذرعها المسلحة، خصوصا بالعراق والتفريط فيهم من أجل مصالحها.
واشنطن اشترطت على العراقيين من خلال رومانوسكي الاستغناء عن الغاز الإيراني
لم يكن الاتفاق السعودي – الإيراني مجرد ثنائية دبلوماسية بين بلدين وضعا شروطاً للتفاهم المتبادل في حدوده الضيقة، بل البوابة التي ستخرج من خلالها حلول لمشاكل تناسلت عن أزمات كانت إلى وقت قريب مستعصية.
ليس من باب المبالغة والتهويل أن يكون الوضع العراقي ضمن الشروط الموضوعة التي تفرض حلولاً للمشهد السياسي ظل متلازماً مع النفوذ الإيراني الذي يتحكم بذلك المشهد.
إيران البراغماتية التي تراجع نفوذها كثيراً في العراق بعد مقتل قاسم سليماني في حادثة المطار، بدأت تُدرك ضرورة البحث عن وجوه جديدة تمسك زمام المبادرة بدلا من وكلائها من الحرس القديم، الذين يتسيّدون السلطة بشروط جديدة تفرضها ظروف طبيعية تكون القاسم المشترك بين الطرفين، وليس النفوذ والاستحواذ وسياسات الاستقواء على العراق واعتباره حديقة خلفية لها.
لا تُخفي مصادر سياسية توقعاتها بأن إيران إن صدقت النوايا ستقوم في الفترة القادمة وضمن التزاماتها المشروطة بالتخلي عن وكلائها بالمنطقة وأذرعها المسلحة خصوصاً بالعراق، وهو ما يعني التفريط فيهم من أجل مصالحها بعد متزامنة انهيار اقتصادها وعزلتها الدولية وحاجتها إلى منفذ لإنعاش نظامها السياسي المتهالك.
◙ الاتفاق السعودي – الإيراني سيحمل خلال الأشهر القادمة الكثير من المتغيرات للمشهد العراقي، التي ربما ستجعله يميل بدرجات كبيرة إلى اتجاهات معاكسة
هل كان عامل الصدفة حاضراً في السياسة حين تولّت امرأة مثل ألينا رومانوسكي الموظفة السابقة في المخابرات المركزية الأميركية (CIA) إدارة الملف العراقي من مقر السفارة الأميركية في بغداد؟ بالتأكيد كلا، فجميع الطرق بدت تسير باتجاه هدف واحد.
رومانوسكي هي السفيرة فوق العادة في العراق التي أصبح يستشيرها السياسيون العراقيون كبيرهم قبل صغيرهم، حتى قيل إن الأوامر قد صدرت لأصحاب السلطة بأن تكون رومانوسكي هي الممثل الرئيسي في التفاوض للسياسي العراقي فيما إذا أراد التفاوض، بدل الذهاب إلى واشنطن والدخول إلى البيت الأبيض. وهو ما يدل على انحراف البوصلة باتجاهات معاكسة تُثبت أن النفوذ الإيراني بدأ بالتراجع مقابل تزايد النفوذ الأميركي والبريطاني، هو الفخ الذي وقع فيه الإطار التنسيقي عند تشكيل الحكومة.
الاتفاق السعودي – الإيراني إن جرى بصورته الطبيعية يعني أن إيران ستفقد نفوذها في المنطقة، وهي تسديدة للدبلوماسية تُحسب للسعودية التي استطاعت أن تفرض شروطاً في اللعبة من باب الغلبة.
لا تُخفي دهاليز السياسة وأروقة السلطة في العراق خشيتها من أن تتنازل إيران في النهاية عن حلفائها وتجعل منهم كبش فداء على مذبح مصالحها، فهي بالنهاية تؤمن بمقولة “أنا ومِن بعدي الطوفان”.
◙ ليس من باب المبالغة والتهويل أن يكون الوضع العراقي ضمن الشروط الموضوعة التي تفرض حلولاً للمشهد السياسي ظل متلازماً مع النفوذ الإيراني
مقدمات ذلك أن واشنطن اشترطت على العراقيين من خلال المرأة الحديدية رومانوسكي الاستغناء عن الغاز الإيراني في مدة أقصاها ثلاث سنوات، ستكون رومانوسكي هي الراعي الرسمي لهذه المبادرة، مع توفير البيئة والإمكانات للاستفادة من الغاز العراقي في تشغيل محطات الكهرباء الغازية. وهذا يعني الاستغناء عن الغاز الإيراني الذي تستورده بغداد، كما تعهدت رومانوسكي بأنها ستقود مفاوضات في المستقبل القريب مع تركيا لحصول العراق على حصته من الماء.
المحصلة أن الاتفاق السعودي – الإيراني سيحمل خلال الأشهر القادمة الكثير من المتغيرات للمشهد العراقي، التي ربما ستجعله يميل بدرجات كبيرة إلى اتجاهات معاكسة قد تطيح بالمعبد الذي ظل قائماً طوال 20 عاماً.
هي البداية لإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة التي طالما ظلت تدور بدائرة الفوضى وعدم الاستقرار وكان يشعر بها من يعيشون على خطوطها.
الاتفاق سيحمل معه متغيرات قد تطيح بأنظمة سياسية وصلت إلى مراحل الشيخوخة، ولم يعد بإمكانها أن تتأقلم مع ما يحدث من متغيرات في المنطقة، فإسرائيل تستعد للحرب ضد إيران وتُهيئ كل المستلزمات لها، والجارة الشرقية أدركت، وإن كان مُتأخراً، أنها لن تصمد في وجه هذا التحالف الدولي المتزايد ضدها، وتدرك الآن ضرورة الخروج بأقل الخسائر، حتى وإن كان الاستسلام تحت ضغط الدبلوماسية، لتجنب حرب قد تحرقها وتمتد شرارتها إلى أماكن في المنطقة، وهو ما لا يرغب فيه كثيرون.
سمير داود حنوش – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة