دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – ماكغورك ومالي لإدارة الأمن القومي الأميركي في ملفي الشرق الأوسط وإيران

بدأت ملامح إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تتضح شيئا فشيئا إثر توالي تثبيت الأسماء التي يرشحها الرئيس لتولّي مناصب حكومية رفيعة. وقد أقر مجلس الشيوخ بالأغلبية تعيين فريق بايدن الذي سيتبوأ أعضاؤه ملف الشرق الأوسط بعامة وإيران بشكل خاص، في البيت الأبيض وفي وزارة الخارجية الأميركية.
ومن اللافت أن معظم الوجوه القيادية التي ستتصدر المشهد السياسي الأميركي في الفترة الرئاسية الحالية لبايدن ونائبته كاميلا هاريس، هي شخصيات عملت في مناصب موازية في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، ويستعيدها اليوم بايدن في تشكيلته الحكومية وضمن الوكالات الأمنية والقومية، ما يشير إلى أن الاستراتيجيات التي سار عليها الرئيس أوباما يمكن إعادة تدويرها مع الإدارة الحالية، مع مراعاة التغيّر الطفيف المطلوب لجعلها تتماشى مع الظرف الدولي الجديد الذي سيعيد قولبتها سياسيا بالقدر الذي ينفي عن إدارة بايدن ما يشاع عنها على سبيل التندّر أنها حكومة “أوباما 3”.
أما أبرز المناصب التي تمّ تثبيت مرشحيها حتى الآن فهي:
في مجلس الأمن القومي تم تعيين بريت ماكغورك منسقا لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث ستتركّز مهامه الجديدة على إبداء المشورة بصورة مباشرة للرئيس بايدن في القضايا التي تتعلّق بالأمن القومي والسياسة الأميركية الخارجية، وكذلك تنسيق السياسات التي سيعتمدها البيت الأبيض مع الوكالات الحكومية.
فمن هو بريت ماكغورك، وما هي أبرز المحطات في تاريخ خدمته العامة في الولايات المتحدة؟
بريت ماكغورك محام ودبلوماسي أميركي أسبق، آخر مناصبه الرسمية كان ضمن إدارة أوباما في فترته الرئاسية الثانية، حيث عيّنه في العام 2015 في منصب المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش، واستمر في هذا المنصب مع إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى أن استقال من العمل الحكومي في الشهر الأول من العام 2018، على خلفية قرار سحب القوات الأميركية من سوريا. وعلّق ترامب على استقالة ماكغورك في تغريدة على حسابه على تويتر “تم تعيين بريت ماكغورك، الذي لا أعرفه شخصيا، من قبل الرئيس أوباما في العام 2015، وكان من المفترض أن يغادر في شهر فبراير، لكنه قرر الاستقالة مسبقا. إعلام الأخبار الملفّقة يحاول تضخيم الموضوع، على الرغم من أن القصة لا تستحق”.
ماكغورك، وقبيل خروجه من عباءة إدارة ترامب، كان قد شغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون العراق وإيران، وأدار حينها مفاوضات سرية مع إيران ابتداء من شهر أكتوبر 2014 أسفرت عن الإفراج عن أربعة سجناء أميركيين من سجن “إيفين” في طهران، كان من بينهم مراسل صحيفة “واشنطن بوست”، جيسن رضائيان.
ما ميّز ماكغورك أنه كان باستمرار مرشحا مقبولا لمناصب حساسة في الحكم من قبل الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين في آن؛ فقد عمل تحت إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، في موقع المساعد الخاص للرئيس ومدير شؤون العراق وأفغانستان في العام 2005، وكان أول من دعا إلى تغيير جذري في السياسة الأميركية تجاه العراق، وروّج لفكرة زيادة العديد من القوات هناك والتي بدأت تُنفّذ ابتداء من شهر يناير للعام 2007.
واتسمت سياساته بالذكاء السياسي اللازم لخوض المفاوضات الصعبة، ولاسيما تلك التي خاضها مع إيران للإفراج عن الرهائن. ومعرفته للغات المنطقة من العربية والفارسية أتاحت له الاندماج المباشر والفهم العميق لثقافات وذهنية أهل المنطقة، الأمر الذي يسّر له التواصل مع السكان المحليين وإقامة الحوارات بشكل تلقائي، وإنجاز الصفقات السياسية عبر الأطراف المعنية دونما وسيط.
ويرتبط ماكغورك بعلاقة قوية مع الكرد في شمال سوريا والعراق، وكان من أشد المعارضين للانسحاب الأميركي من شرق الفرات كما أراده ترامب، وكارها شديدا لفكرة ترك الحلفاء الكرد للمجهول بعد أن قاتلوا إلى جانب القوات الأميركية والتحالف للقضاء على تنظيم داعش. وجاهر برفضه لتخلّي بلاده عن الكرد، ما دفع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى أن يتهمه في تصريح علني بالعداء لتركيا، حيث صرّح “ماكغورك يدعم بوضوح حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية في سوريا! إنه يعمل ضدنا”.
ويبدو أن التشدّد الأميركي تجاه الأعمال العسكرية المتنقلة لتركيا خارج حدودها، والذي بدأ يظهر منذ الأسابيع الأولى لوصول بايدن إلى البيت الأبيض، كان له الدور الأكبر في اختيار ماكغورك لهذا المنصب الحساس والمؤثّر في آن.
التشدد الأميركي تجاه الأعمال العسكرية المتنقلة لتركيا خارج حدودها، والذي بدأ يظهر منذ الأسابيع الأولى لوصول بايدن إلى البيت الأبيض، كان له الدور الأكبر في اختيار ماكغورك لهذا المنصب الحساس والمؤثر في آن
روبرت مالي:
المبعوث الرئاسي الخاص للملف الإيراني كان من نصيب روبرت مالي، الذي تمت المصادقة على تعيينه ليتسلّم الملف الأكثر تعقيدا وخطورة، ليس فقط بالنسبة إلى البيت الأبيض، بل لحكومات وشعوب العالم التي تتأثر سلبا بطموحات إيران في العسكرة النووية، وبتحركات ميليشياتها المسلحة العابرة للحدود والمصنفة أميركيا على أنها منظمات إرهابية.
روبرت مالي محام أميركي، وخبير وباحث سياسي متخصّص في حل النزاعات الدولية. ولد في العام 1963 لأب صحافي يهودي من أصل سوري ومصري المولد والنشأة، سايمون مالي، وقد كان شيوعي الهوى ومؤمنا بحركات التحرر التي نشأت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، بما فيها الحركات الفلسطينية. أما والدته، باربرا سيلفرشتاين، فهي من سكان نيويورك، عملت مع وفد الأمم المتحدة لجبهة التحرير الوطني الجزائرية. في العام 1969، نقل مولي الأب عائلته، بمن في ذلك ابنه روبرت، إلى فرنسا، حيث أسس المجلة اليسارية “أفريكاسيا” التي عُرفت في ما بعد باسم أفريقيا – آسيا. عاشت عائلة مالي في فرنسا حتى العام 1980، عندما أمر الرئيس الفرنسي آنذاك، فاليري جيسكار ديستان، بإبعادها من فرنسا إلى الولايات المتحدة بسبب العداء الذي يكنّه سايمون مالي للفكر الرأسمالي الغربي ولإسرائيل.
أما الابن، روبرت مالي، الذي شبّ في الولايات المتحدة، فقد تدرّج في العمل السياسي إلى أن تبوأ منصب مساعد خاص للرئيس بيل كلينتون، للشؤون العربية الإسرائيلية، كما كان عضوا في فريق السلام الأميركي وساهم في تنظيم قمة كامب ديفيد في العام 2000. وعند وصول الرئيس جورج دبليو بوش إلى البيت الأبيض في العام 2001، غادر العمل الحكومي ليتفرّغ للعمل الأكاديمي البحثي، وأصبح مديرا لبرنامج شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “مجموعة الأزمات الدولية” للدراسات. إلا أنه عاد للعمل ضمن الإدارات الأميركية الرسمية بدعوة من أوباما، ليتسلّم منصبا رفيعا في مجلس الأمن القومي مستشارا للرئيس في ملف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج، ثم بصفة المسؤول عن ملف داعش في المجلس في الفترة 2014 – 2017، وفي العام 2015 حيث كان يشغل منصب المفاوض الرئيس ضمن المجموعة الدولية 5+1 التي أنجزت الاتفاق النووي مع إيران، والذي حمل اسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”.
موقف مالي من إيران واضح، فهو المدافع القوي عن التقارب مع الجمهورية الإسلامية، ناهيك عن كونه من أشد معارضي إستراتيجية الضغوط القصوى التي اتبعتها الإدارة الأميركية في عهد ترامب ضد إيران. وكان مالي قد وقف بشدة ضد عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، وعارض الشروط الـ12 التي أقرها وزير الخارجية الأسبق، مايك بومبيو، لرفع العقوبات عن طهران.
ونظرا لهذا التوجّه الذي عُرف به مالي، تتردد الكثير من الأسئلة عن مستقبل السياسة الأميركية في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، والعقوبات الأميركية على طهران، وكذلك الموقف من التخصيب النووي ذي الأهداف التسلحية، ومن الدعم المتواصل للميليشيات المنظمة التي يموّلها ويديرها الحرس الثوري الإيراني.
أما طهران، فقد سارعت في الترحيب بتولّي مالي لهذا المنصب كونه يحمل العديد من الدلالات الإيجابية منذ وصول الرئيس بايدن إلى الحكم، بينما اعتبر المستشار الإعلامي للرئيس الإيراني، حسام الدين أشنا، في تغريدة له على حسابه على تويتر أن تعيين مالي “هو خطوة تحمل رسالة واضحة حول توفّر توجّه فاعل لحل سريع ومؤثّر للنزاع”.
وفي الطرف المقابل من المعادلة، يواجه بايدن تحديات كبيرة قد تعيق عودته إلى اتفاق العام 2015 دونما شروط إضافية. أهم هذه المعوقات تأتي من معارضة قوية للحزب الجمهوري الأميركي لعودة غير مشروطة إلى اتفاق غير متكامل كانت واشنطن قد انسحبت منه في العام 2018، إلى جانب معارضة بعض أطراف الحزب الديمقراطي، وكذلك عدد من الدول الأوروبية، والخليجية، والإقليمية، وفي المقدمة إسرائيل. إلا أن إدارة بايدن قد تستغل الشروط الصعبة التي وضعها ترامب من أجل الحصول على تنازلات جوهرية وعميقة من طهران، خاصة في ما يتعلق ببرنامجها للصواريخ البالستية وسياساتها الإقليمية الرامية إلى تقويض الاستقرار في دول الجوار، وفي الشرق الأوسط عموما.
ومن اللافت أن موقف مالي من نظام الولي الفقيه، والباب الذي تركه مواربا من سياسات طهران الخارجية، يتناقض مع ما سجّله عن مشاهداته للوضع في اليمن حين زاره في العام 2019 على رأس وفد من الباحثين الأميركيين ضمن “مجموعة الأزمات الدولية” غير الحكومية. وقد صرّح حينها قائلا “إن الميليشيات الحوثية تبني شيئا مشابها لدولة بوليسية ظهرت ملامحها من خلال قبضتها المحكمة على صنعاء”، منوها إلى أن “المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون تشهد حالة من البؤس يمتد إلى ما هو أبعد من تصنيف الأمم المتحدة للأزمة الإنسانية في اليمن كأسوأ أزمة إنسانية عرفها العالم”.

مرح البقاعي – كاتبة سورية أميركية – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة