دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – لماذا لا يبنون سجونهم مثل إسكوبار؟

في المحصلة الفاسدون في العراق قد حسموا المعركة لصالحهم وانتصروا لقوانينهم في زمن الانحطاط والانهيار وزمن المحتوى الهابط الذي يمجّد الفساد وصناعه، هي حقبة ملعونة من هذا الزمن الرديء.

الضربة التي لا تقصم ظهر الفساد فإنها تقوّيه
“حينما يسير اللصوص في الطرقات آمنين فهناك سبب لذلك، إما النظام لص كبير أو الشعب غبي أكبر وجسد مصاب بالشيخوخة” (لي كوان يو- رئيس وزراء سنغافورة السابق).

حكايات ألف قصة وقصة من الفساد في العراق الذي تحول إلى حرفة جعلت الشعب يبارك للفاسدين فسادهم ويصيح “اسرقوا ما شئتم فما عُدنا نهتم، سرقاتكم باتت لا تُدهشنا لقد تعودنا على طرائقها ما دام المصير محسوما والحساب غائب”

من يحمي الفساد؟ وهل إن مؤسسات الفساد اللامرئية أقوى من كل مؤسسات الدولة الأخرى؟ ربما.. لقد أصبحنا أكثر تشاؤما كلما قُرعت طبول الحرب على الفساد، ونتساءل بسخرية ونحن نعرف الجواب، من يبارك للفاسدين أفعالهم؟

في كل يوم يتم الحديث عن وجه جديد للفساد وتعلو الأصوات لزجّه خلف القضبان، لكنها الأسطوانة المشروخة التي تعودنا عليها بدخول السارق السجن الفندقي ذي النجوم المتعددة المخصص للفاسدين والسراق بـ(VIP) ومن ثم يطلق سراحه بعد أيام معدودات من تعهده بدفع البعض اليسير من المال المسروق.

لم يسمع رجال الفساد في العراق بقصة بارون المخدرات والسياسي الكولومبي بابلو أمبليو إسكوبار الذي توصل إلى تسوية مع حكومته، يتم قضاء عقوبته في سجن بناه بنفسه في عام 1991، إضافة إلى اتفاق مشروط مع الحكومة الكولومبية يسمح له باختيار من سيقضي حبسه في هذا السجن ومن سيعمل معه، كما كان من حق هذا السجين استضافة الضيوف ومتابعة العمل من داخل زنزانته، ضم السجن ملعبا لكرة القدم وأماكن استراحة، كما بنى إسكوبار بجانب سجنه منزلا كبيرا لعائلته، والطريف أنه منع على ممثلي السلطات الكولومبية الاقتراب من السجن لأقرب من خمسة كيلومترات.

حتى السجون بدرجات متفاوتة في العراق، ما بين سجون السرّاق واللصوص وزعامات الفساد الغارقين بالسُحت، وبين الدرجة الثانية من مواطني العامة الذين تكتظ بهم قاعات النزلاء

نكاد نجزم بأن فكرة إسكوبار لم تخطر على بال فاسدي العراق، وإلّا لبادروا ببناء سجونهم المترفة الخاصة وزاولوا منها أنشطتهم دون أن يكلفوا الحكومة دولارا واحدا أو غضب الرأي العام، خصوصا عند إيداع الكثير منهم في سجون المنطقة الخضراء المحصّنة، ومن ثم يتم هروبهم أو تهريبهم.

حتى السجون بدرجات متفاوتة في العراق، ما بين سجون السرّاق واللصوص وزعامات الفساد الغارقين بالسُحت، وبين الدرجة الثانية من مواطني العامة الذين تكتظ بهم قاعات النزلاء.

كل شيء مرتب يجعلك متأكدا أن العناية السلطوية تحيط بالفاسد حتى بعد ثبوت إدانته، الكثير منهم خرج من سجنه وهو منتفخ الأوداج مبتسما وكأنه عائد من رحلة استجمام أو نزهة.

لو عرف سرّاق العراق قصة إسكوبار لبادروا ببناء سجونهم كل حسب مملكته، ومن يدري ربما تتحول إلى إنجازات يتم الإشادة بها تحسب للسلطة، قد يفعلونها دون أن تكون هناك منّة لأحد في عقوبتهم.

هي معارك طواحين الهواء التي يتقمّص الشعب فيها شخصية “دون كيشوت” في تصارعه مع أوهام أو خرافات النيل من الفساد لتكون نهاية الحكاية أنه يخسر أشياء كثيرة قد تكون منها حياته.

الحكمة التي تعلمناها من شعائرهم أن “الضربة التي لا تقصم ظهر الفساد فإنها تقوّيه”، ويا لها من قوة تطيح في نهايات الفاسدين واللصوص بسجون أشبه بفنادق مرفّهة.

حكايات مكافحة الفساد في العراق تذكّرنا ببيت للشاعر جرير الذي سخر من غريمه الفرزدق عندما هدد شخصا اسمه مِرْبَع بأنه سيقتله بقوله “زعم الفرزدق أن سيقتل مِرْبَعاً..أبشر بطول سلامة يا مِرْبَعُ”.

في المحصلة إن الفاسدين قد حسموا المعركة لصالحهم وانتصروا لقوانينهم في زمن الانحطاط والانهيار، زمن المحتوى الهابط الذي يمجّد الفساد وصنّاعه، هي حقبة ملعونة من هذا الزمن الرديء.

سمير داود حنوش – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة