دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – قمة جدة، قمة المفاجآت بلا مفاجآت

حضور بشّار الأسد أعمال القمة مهم. هو تسجيل لمرحلة جديدة في كيفية التعامل مع الأزمة السورية، ولكن من المبكر الجزم بما إذا كانت المرحلة الجديدة تقطع مع ما قبلها.

زيلينسكي أمام امتحان البروتوكول

فيما عدا مفاجأة ظهور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في القمة العربية في جدة ولامفاجأة حضور الرئيس السوري بشار الأسد، تبدو القمة العربية أكثر من عادية. لا شك أن القمة تكتسب أهمية أكبر بحكم تولي السعودية لرئاسة الدورة الحالية، لكن هذا راجع إلى أهمية السعودية وليس إلى أهمية الجامعة أو القمة. مشكلة القمة، مثل أغلب مشاكل القمم العربية التي سبقتها، أنها لا تذهب بعيدا في أي شيء وتبقى في إطار شكلي تتبخر نتائجه مع مغادرة آخر رئيس وفد مشارك البلد المضيف.

حضور الرئيس السوري بشار الأسد أعمال القمة مهم. هو تسجيل لمرحلة جديدة في كيفية التعامل مع الأزمة السورية. من المبكر الجزم بما إذا كانت المرحلة الجديدة تقطع مع ما قبلها، فالكثير من المعطيات في الأزمة السورية تبقى على حالها. الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المشاركة في الأزمة مُرهَقة، لكنها مستمرة في ترديد العبارات نفسها.

كما أن حضور الرئيس الأسد كان تحصيل حاصل. ليس بسبب استعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، ولكن لأن زعماء عربًا مسؤولين بادروا مبكرا إلى فتح باب التقارب مع النظام السوري على مصراعيه مما جعل عودة الأسد تبدو حصيلة جهودهم.

الاختراق الأساسي في عودة سوريا إلى الصف العربي كان في أبوظبي. استقبل رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الرئيس السوري وعائلته، وحظي الأسد باهتمام كبير خلال الزيارة. كانت الإمارات قد مهدت لاستقبال الرئيس السوري بزيارة وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى دمشق، وإعادة العلاقات إلى مستواها الطبيعي. استقبال الأسد في أبوظبي تم في إطار مراسم زيارة رئيس دولة وبتقدير لا يختلف عن استقبال أي زعيم عربي أو عالمي آخر.

◙ زيلينسكي حضر وبدلته شبه العسكرية في افتتاح قمة جدة، لكنه غاب وقضيته تماما عن “إعلان جدة”
◙ زيلينسكي حضر وبدلته شبه العسكرية في افتتاح قمة جدة، لكنه غاب وقضيته تماما عن “إعلان جدة”
ما الذي يختلف في زيارة الأسد إلى أبوظبي عن حضوره القمة العربية في جدة؟ الفرق كبير.

الرئيس السوري زار الإمارات كرئيس دولة، على عكس حضوره القمة في جدة التي تأتي في سياق اجتماع دوري سنوي للقادة العرب، مهما كان الموقف منهم. وبما أنه تم اتخاذ قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية، فإن دعوة وحضور الأسد وإلقائه كلمة في القمة كانت فقرات في برنامج يجمع كل الزعماء المشاركين. هذا لا يقلل من أهمية الأمر، خصوصا من ناحية الرسائل التي يوجهها القادة العرب إلى الغرب.

ثمة ملاحظة أخرى ربما تستحق الذكر في هذا السياق؛ وهي أن الرئيس الأسد توجه إلى أبوظبي والتقى بقيادتها من دون أن تحتاج الإمارات إلى تقديم تبريرات أو استخدام غطاء لمنع الانتقادات الغربية المصاحبة لكل ما له علاقة بالأسد. في حين، كان حضور الرئيس الأوكراني زيلينسكي هو الغطاء السياسي الذي سعت مؤسسة القمة إلى تقديمه للرد الاستباقي على حضور الأسد. أضواء تسلط على زيلينسكي بقدر الأضواء التي تسلط على الأسد. أما ما يقوله زيلينسكي للحاضرين في القمة فغير مهم.

موضوع عودة الأسد حُسم منذ فترة. قد يكون الزلزال، بكل ما يحمله من مآسٍ، مبررا ظاهرا للعودة. إلا أن السبب الأكثر قربا إلى الواقع لا يكمن فقط في بعض الانتصار العسكري الذي تحقق على يد قواته على حساب دمار أجزاء كبيرة من البلد وتشريد الملايين من أبنائه، وإنما يتمثل أيضا في انسحاب تركيا وقطر من الأزمة بشكل عملي. الأتراك والسوريون يجلس بعضهم مع بعض الآن برعاية روسيا وإيران، وهما طرفان غير محايدين في الحرب. ولم تَفُت أي مراقب ملاحظة التفسير القطري لعودة سوريا إلى الجامعة العربية بأن الدوحة لا تريد الخروج على الإجماع. هذه هي قطر الشيخ حمد بن جاسم التي صنعت الإجماع لطرد سوريا من الجامعة ومنح المعارضةِ كرسيَّ دمشق لبعض الوقت. القطريون لديهم من النباهة ما يكفي لإدراك حجم الضعف الذي انتشر في بنية القيادة التركية والحال الذي وصل إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان داخليا وإقليميا. القطري مستثمر كبير وذكي، ويعرف أن ليس كل الاستثمارات تنتهي بربح.

زيلينسكي كان أشبه بسمكة خارج الماء في قمة جدة. كان الارتباك واضحا عليه من لحظة خروجه من الطائرة والطريقة التي انحنى بها للسلام على مستقبله، وهو نائب أمير مكة. من الواضح أنه تم استدعاؤه على عجل ولم يُحَط علما بالبروتوكول والوجوه.

لكن جهل زيلينسكي بالبروتوكول والأشخاص لم يمنع ملاحظة أنه كان مستفزا جدا وهو يلقي كلمته. نظريا، كانت دعوته هي للتعبير عن التعاطف مع قضية بلاده وحربها مع روسيا. وعمليا، كما ذكرنا، هي طريقة لخلق توازن سياسي مع مشاركة الأسد. كلمته كانت تبدو بشكلها البسيط موجهة إلى الأسد الذي لم يخفِ تأييده للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه على أوكرانيا. قال “للأسف، هناك البعض في العالم، وبينكم هنا، يغضون الطرف عن (…) السجون والضم غير القانوني” للأراضي الأوكرانية. لم يكن كلامه موجها إلى البعض وإنما إلى الأغلبية.

◙ لقاء لا يقل أهمية جمع الرئيس التونسي قيس سعيّد بالرئيس الأسد
◙ لقاء لا يقل أهمية جمع الرئيس التونسي قيس سعيّد بالرئيس الأسد
كم زعيما عربيا من الحضور يستطيع زيلينسكي أن يعده ضد بوتين؟ الأسد كان واضحا في تحالفه مع الرئيس الروسي، ولكن الرئيس الأوكراني يعتقد أن دولا عربية كثيرة تربحت من تأثير الحرب على أسعار النفط والغاز، بل إن دولة مثل مصر كانت تستعد لإرسال عتاد لدعم المجهود الحربي الروسي. لا شك في أن أجهزة استخباراته أبلغته بأن المزاج الشعبي العربي العام يميل لصالح روسيا، ليس تشفيا في أوكرانيا وقضيتها (ربما فيما عدا العراقيين الذين ساهمت أوكرانيا في غزو بلادهم عام 2003)، بل غضبا على الولايات المتحدة حليف كييف الأول في الحرب. الحرب في أوكرانيا أثرت على اقتصادات المنطقة سلبا وإيجابا، ولكن سياسيا لا اهتمام عربيا بما يحدث هناك. إنها حرب تستكمل تفكيك الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو وتمدد الناتو.

حضر زيلينسكي وبدلته شبه العسكرية في افتتاح قمة جدة، لكنه غاب وقضيته تماما عن “إعلان جدة” وهو البيان الختامي للقمة. مهمته كانت تنحصر في صورة تتصفحها واشنطن وتقلل من حدة تذمرها من الأسد.

ثمة مواقف تستحق الإشارة إليها في القمة أهم كثيرا مما ألقي فيها من كلمات. بعض اللقاءات الجانبية كانت مهمة، مثل المصافحة واللقاء السريع بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس السوري. أو لعل اللقاء الذي لا يقل أهمية، على الأقل نفسيا، هو ذلك الذي جمع الرئيس التونسي قيس سعيّد بالرئيس الأسد. ودعا معًا “الربيع العربي” الذي ابتدأ من تونس وتم دفنه بين أنقاض الأبنية في سوريا. لا شيء أيضا يستدعي الاهتمام بالفقرتين في “إعلان جدة” اللتين تناولتا السودان واليمن. مر عليهما الإعلان مرور الكرام. الكرام أنفسهم لم يمروا هذه المرة على “الخطريْن” التركي والإيراني.

د. هيثم الزبيدي – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة