دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – عودة سوريا إلى الحديقة العربية سؤال صعب

ما يسعى العرب اليوم لإنجازه بإعادة سوريا هو نوع من إعادة خلق التاريخ وهو ما يمكن أن يضعهم بين الأمم المتقدمة لو نجحوا فيه ولكن لا تكفي النوايا الحسنة وحدها.

سوريا لم تعد إلا جزءا من الكارثة التي حلت بالعالم العربي
سوريا ليست على عجلة من أمرها في موضوع العودة إلى الجامعة العربية. لكنها تجد ضرورة في إنهاء القطيعة مع محيطها العربي. لم يكن في إمكانها أن تبادر وقد أُحيطت بحقول ألغام، بعضها كان قد فرض عليها جزءا من حرب عالمية لا تزال أطرافها تعمل على الأرض السورية مباشرة كما هو الحال في الوجودين العسكريين الأميركي والروسي والبعض الآخر كان ولا يزال يصدر عن إلهام سوري نتج عنه تبادل الشبهات والشكوك بين أطراف القضية السورية وجزء من تلك الأطراف يُدار من قبل دول إقليمية مثلما هو الحال مع إيران وتركيا وسواهما.

لم يكن في إمكان النظام السوري أن يتحرك خارج الحدود التي فرضتها عليه قيود السباق الدولي الذي انتزع منه زمام المبادرة وجعله أشبه بالمتفرج المحايد الذي لا يملك شيئا يفعله. لقد ضاعت أجزاء كثيرة من سوريا لا يمكن تخيل المدى الزمني الذي يمكن استعادتها فيه. صارت سوريا دولة ناقصة. غير أن غيابها لم يؤثر في شيء لأن النظام السياسي العربي كان قد تعرض لعثرات جعلته غير قادر على استعادة توازنه.

ما هدمه الربيع العربي المشؤوم ساعد في غض النظر إلى سوريا. لم تعد سوريا إلا جزءا من الكارثة التي حلت بالعالم العربي والتي أفقدته توازنه. ما حدث أن العالم العربي خرج من المعادلة السياسية للشرق الأوسط حين انضمت سوريا إلى الدول العربية المعاقة. فمع تخلي العالم العربي عنها صارت سوريا تواجه غزوات التنظيمات والجماعات المتشددة وحدها. لم ينبعث ربيعها من داخلها كما حدث زورا في الدول المنكوبة الأخرى، بل هجم عليها ذلك الربيع من الخارج وكانت الجامعة العربية على علم بما يحصل في سوريا وهي التي أشرفت على تغييبها.

◙ سوريا بمحميات إيرانية ومعسكرات لحزب الله وقواعد روسية ودولة للتنظيمات الإرهابية في إدلب ودويلة كردية ترعاها الولايات المتحدة وقواعد روسية ليست سوريا التي يتمناها العرب

حين تزعم إيران بأنها منعت سقوط نظام الأسد فإنها تقول ذلك نكاية بالنظام السياسي المنهار. الحقيقة تؤكد أن روسيا كتبت تاريخا جديدا لسوريا بالرغم من أنها لم تقو على الحفاظ على الجغرافيا السورية كاملة بعد أن سقطت أجزاء كثيرة من سوريا في أيدي أطراف محلية مدعومة من قبل دول تفضل روسيا أن لا تدخل في صراع معلن معها. سيكون من الصعب على النظام السوري إقامة حوار مع الأكراد على سبيل المثال من غير التشاور مع الولايات المتحدة التي تحميهم وتقدم لهم السلاح.

اليوم بعد كل الخراب وبعد أن بقي النظام الحاكم في دمشق أمرا واقعا صار ذلك الحوار ممكنا. ولكنه حوار لا ينقذ سوريا من هلاك، كانت قد مرت به ولم يعد الخلاص بالنسبة إلى أهلها المشردين إلا كلمة مسيسة يمكن النظر إليها من خلف حجاب. لن تفعل الولايات المتحدة شيئا لتعين من خلاله سوريا على الخروج من محنتها سوى أن تتفاوض مع الروس من خلال السوريين على إنهاء الحرب في أوكرانيا مقابل الانسحاب من سوريا. صارت سوريا أشبه بالرهينة. لماذا لا نقول إنها صارت رهينة منذ أن سحب العرب البساط من تحت قدميها؟ كانت قوية بهم من غير أن تعرف.

مر دهر على اليوم الذي فقد فيه العرب سوريا. أيعقل أنهم يفكرون الآن أنهم يستعيدون سوريا التي عرفوها؟ تلك فكرة خيالية. سوريا التي ذهبت لن يستعيدها أبناؤها. ولن يتعرفوا عليها إذا ما عادوا إليها. لقد انمحى زمن سوريا العربية. ذلك الزمن الذي بشر السوريون فيه بالقومية العربية وهم صناعها. لم يكن البعث وحده صناعة سورية، بل كانت القومية العربية بوجهها الحديث هي الأخرى صناعة سورية. ولكن ذلك زمن لن يُستعاد. فالمكان يفرض بقوة صفاته المعنوية. سوريا لم تعد سوريا أو سوريا ليست سوريا.

إذا ما أراد العرب أن يستعيدوا سوريا إلى حديقتهم فعليهم أن يعيدوها أولا إلى جوهرها. عليهم أن يبذلوا جهدا جبارا لا من أجل إعمارها وحسب، بل وقبل ذلك من أجل أن تستعيد وجهها العربي. فسوريا بمحميات إيرانية ومعسكرات لحزب الله وقواعد روسية ودولة للتنظيمات الإرهابية في إدلب ودويلة كردية ترعاها الولايات المتحدة وقواعد روسية ليست سوريا التي يتمناها العرب.

ما يسعى العرب اليوم لإنجازه هو نوع من إعادة خلق التاريخ وهو ما يمكن أن يضعهم بين الأمم المتقدمة لو نجحوا فيه. لا تكفي النوايا الحسنة. يدرك العرب أنهم في مواجهة امتحان تاريخي يتوقف عليه مصيرهم.

فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة