دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – عدم الاكتراث الإستراتيجي لموسكو في سوريا

موسكو ترى في الصراع وسيلة مفيدة لتشتيت الانتباه عن الحرب في أوكرانيا وتضرر دبلوماسية واشنطن وصورتها مع توسع الانقسامات في أوروبا.

روسيا بانتظار المزيد
يتردد صدى تداعيات هجوم 7 أكتوبر خارج حدود إسرائيل. وتعقّد الصدامات بين الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والقوات الإسرائيلية والقوات الأميركية جهود احتواء القتال.

وبينما يتسابق الدبلوماسيون من الدوحة إلى لندن لمنع اندلاع حرب أوسع، كانت روسيا (حليفة سوريا الرئيسية) هادئة بشكل واضح. وقد تكون الفوضى بالنسبة إلى موسكو وسيلة لتحقيق أهدافها.

واشتعل القتال على طول حدود سوريا الجنوبية مع إسرائيل بعد عقود من الهدوء النسبي. وشملت الاشتباكات الأولية تبادل إطلاق قذائف الهاون، لكن التوترات تصاعدت أكثر بدءا من 10 نوفمبر، حين تحركت طائرة مسلحة مسيّرة لمسافة تجاوزت 400 كيلومتر من جنوب سوريا عبر الأردن لضرب مدرسة إسرائيلية في إيلات.

واستهدفت إسرائيل في ردها منفذي الهجوم (دون تسميتهم) مع مطارين سوريين يُعتقد أنهما من مراكز عبور الأسلحة إلى الميليشيات المدعومة من إيران في جميع أنحاء المنطقة.

روسيا تواصل مراقبة الوضع بهدوء بينما ترتفع وتيرة الهجمات في سوريا ضد القوات الأميركية والإسرائيلية خلال الأسابيع الأخيرة. وهي تبقى على استعداد لجني ثمار الفوضى إذا استمرت

وبينما تتزايد المخاوف من أن يحول التصعيد سوريا إلى جبهة جديدة في الحرب بين إسرائيل وحماس، يقول الخبراء إن محاولات موسكو لتخفيف الوضع لا تحمل أي أثر يذكر.

وأعلمني دبلوماسيون ومحللون مطلعون أن موسكو، التي تعدّ من أقرب حلفاء الرئيس بشار الأسد، لا تحاول التخفيف من حدة الحرب بالوكالة في سوريا بشكل فعال. وهذا ما يتناقض مع دور موسكو السابق، حيث كانت وسيطة في سوريا قبل خمس سنوات، عندما نقلت رسائل إسرائيلية إلى القيادة الإيرانية للمساعدة في احتواء الأعمال العدائية في مايو 2018.

وتشير بعض المصادر في تفسيراتها للصمت الحالي إلى افتقار روسيا إلى النفوذ الكافي للتأثير على وقف التصعيد. وتحاول إيران تجنب هذه الجولة من القتال، مما يجعل قدرة موسكو على إقناع طهران بالانضمام إلى طاولة المفاوضات محدودة.

وستستفيد روسيا في الأثناء من عواقب هذه التصعيدات، وخاصة لكونها لا تشكل أي تهديد مباشر لموسكو. وقال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف في تصريح حديث إن الكرملين لا يخشى جر روسيا إلى الصراع.

وتجاوزت إستراتيجية روسيا في الحقيقة مجرد المراقبة. وكُلفت فرقة المرتزقة الروسية فاغنر، النشطة في سوريا، بتسليم صواريخ من طراز أس.أي 22 المضادة للطائرات إلى حزب الله، وفقا لمصادر استخباراتية أميركية.

وقد تتجاوز موسكو تسليح حلفائها. وكشفت وثائق سرية تسربت خلال السنة الحالية عن إنشاء مركز يشمل روسيا وإيران والنظام السوري لتنسيق جهود رفع المخاطر التي يتعرض لها الأفراد العسكريون الأميركيون في سوريا وإجبارهم على الانسحاب من أراضيها.

وتتعرض القوات الأميركية لذلك لهجمات متزايدة. وتعرض الجنود الأميركيون العاملون في سوريا والعراق خلال الشهر الذي تلا هجوم حماس لما لا يقل عن 40 هجوما منفصلا بطائرات مسيّرة وصواريخ شنتها الميليشيات المدعومة من إيران.

وسيشكّل خروج الولايات المتحدة انتصارا إستراتيجيا لموسكو، حيث سيتمكن النظام السوري من استعادة السيطرة على الشمال الشرقي الغني بالموارد، بما يمنح مكاسب مالية كبيرة لروسيا.

بينما تتزايد المخاوف من أن يحول التصعيد سوريا إلى جبهة جديدة في الحرب بين إسرائيل وحماس، يقول الخبراء إن محاولات موسكو لتخفيف الوضع لا تحمل أي أثر يذكر

وإذا لم تتزحزح واشنطن، وهو أمر يبدو محتملا في الوقت الحالي، فستكمن النتيجة الأفضل في إبقاء العدو مشتت التركيز. وتتوقع موسكو أن يؤدي الدعم العسكري الأميركي المتزايد لإسرائيل إلى تحويل الموارد بعيدا عن أوكرانيا.

وليس هذا بعيدا عن الواقع، حيث أرسل الرئيس الأميركي جو بايدن خلال الشهر الماضي طلبا لحزمة إنفاق طارئة بقيمة 106 مليارات دولار إلى الكونغرس، وشملت تمويلا لإسرائيل وأوكرانيا. وركّز الجمهوريون جهودهم على تمرير مشروع قانون لتقديم 14.3 مليار دولار فقط من المساعدات الطارئة لإسرائيل بدلا من الموافقة على الطلب الشامل لكييف. ومرّ مشروع القانون في مجلس النواب قبل أن يعرقله الديمقراطيون في مجلس الشيوخ.

وقد يدفع الطلب المتزايد على الأسلحة الأميركية واشنطن إلى جعل تسليم الأسلحة إلى إسرائيل أولوية أو تقسيم الإمدادات بين الجبهتين، حتى لو تمكن بايدن من إبقاء أوكرانيا على رأس أجندة التمويل الأميركية. وقد يتسبب هذا في تأخير شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا، بما يثير قلق كييف.

وترى موسكو في الصراع بين إسرائيل وحماس وسيلة مفيدة لتشتيت الانتباه عن الحرب في أوكرانيا وعملياتها فيها. وقد تتضرر دبلوماسية واشنطن وصورتها مع توسع الانقسامات في أوروبا بشأن غزة وتصاعد المشاعر المعادية لأميركا في جميع أنحاء الشرق الأوسط والجنوب العالمي بسبب دعم بايدن المطلق لإسرائيل.

وتواصل روسيا مراقبة الوضع بهدوء بينما ترتفع وتيرة الهجمات في سوريا ضد القوات الأميركية والإسرائيلية خلال الأسابيع الأخيرة. وهي تبقى على استعداد لجني ثمار الفوضى إذا استمرت.

ولا تحتاج روسيا إلا إلى الجلوس والانتظار للاستفادة من لامبالاتها الإستراتيجية في سوريا، وهو ما يثير الإحباط.

حايد حايد – صحفي سوري – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة