دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – دور تركي محدود في حرب غزة رغم طموحات التدخل

تركز القوى الإقليمية على إنقاذ أرواح المدنيين وتحقيق وقف لإطلاق النار مع تصاعد التوترات في غزة وما حولها إثر قصف إسرائيل لمعقل حماس واستعدادها لغزو برّي محتمل.

ويُنظر إلى مصر بحدودها البرية الطويلة، وقطر التي تعد حليفة لحماس منذ فترة طويلة، على أنهما الوسطاء الأكثر ترجيحا في صراع يهدد بالخروج عن نطاق السيطرة. لكن لا يمكن تجاهل تركيا في هذا السياق.

ووجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المؤيد لحماس أشد انتقاداته للولايات المتحدة منذ الهجمات. ويواصل الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية ضمن حدود 1967. وحذر من أن المناورات العسكرية الأميركية في المنطقة يمكن أن تسبب “مجازر خطيرة” في غزة.

ودعا عدد من الزعماء الأجانب أنقرة إلى التدخل. وحثت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك تركيا على استغلال علاقاتها الدبلوماسية مع حماس للضغط لإطلاق سراح الرهائن ومن بينهم مواطنون ألمان. ورد نظيرها التركي هاكان فيدان بالكشف عن خطة سلام تركية.

◙ الرئيس الأميركي وقّع أمرا تنفيذيا بتمديد الوجود العسكري الأميركي في المنطقة إثر الضربة الأخيرة ضد قوات سوريا الديمقراطية، والهجوم التركي بطائرة مسيّرة قرب قاعدة أميركية في شمال شرق سوريا

ولكن هل يطلب الغرب من تركيا أكثر مما تستطيع فعله؟ يبدو المجتمع الدولي على استعداد لتلقي المساعدة من أيّ طرف في محاولته اليائسة للتوصل إلى حل. لكنّ سببين يجعلان أنقرة طرفا غير مرجح.

أولهما ببساطة أن علاقة أنقرة بحماس بلغت درجة لا يمكن أن يقبلها العديد من زعماء العالم، على الرغم من كونها مفيدة في هذا الوضع.

ويعدّ السبب الثاني أكثر تعقيدا، ويتضمن حرب تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية التي تتشكّل في جلها من الأكراد في شمال سوريا.

ولم تصنف تركيا حماس منظمة إرهابية كما فعلت العديد من الدول في الغرب، بل عمّقت علاقاتها معها على مدى العقد الماضي. وافتتحت حماس مكتبا لها في إسطنبول في 2012، بمباركة تركيا. ومع تطور الحرب الأهلية في سوريا، رأى وزير الخارجية آنذاك أحمد داود أوغلو في توثيق العلاقات مع حماس وسيلة للحفاظ على النفوذ في المنطقة.

وأثار هذا قلقا في إسرائيل، حيث تراجعت العلاقات مع أنقرة بعد الغارة على أسطول غزة في مايو 2010. يُذكر أن العملية العسكرية الإسرائيلية ضد السفينة التركية “مافي مرمرة”، التي كانت تسعى لإيصال مساعدات إنسانية إلى غزة، أسفرت عن مقتل تسعة ناشطين وجرح 10 جنود كوماندوز إسرائيليين.

وتوترت العلاقات أكثر في ديسمبر 2021 عندما نشر مركز القدس للشؤون العامة تقريرا، نقلا عن المخابرات الإسرائيلية، اتهم حماس بالتخطيط وتوجيه المئات من الهجمات الإرهابية ضد الإسرائيليين من مقرها في إسطنبول.

ولكن إدارة أردوغان ضاعفت جهودها بدلا من تقليص علاقاتها مع حماس، ومنحت الجنسية لكبار قادة الجماعة ونشطائها. ويشير الخبير التركي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن سنان سيدي إلى أن أردوغان “يحافظ على علاقات دافئة مع كبار مسؤولي حماس”، بما في ذلك الزعيم السياسي الكبير إسماعيل هنية والقائد صالح العاروري، وهما “اثنان من العقول المدبرة المحتملة للهجمات الأخيرة”.

ومن المتوقع أن يشوش هجوم حماس الدلائل التي تشير إلى أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل تشهد تحسنا منذ استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة في أغسطس 2022.

وليس من المستغرب أن يدعو القادة في الولايات المتحدة وإسرائيل الآن تركيا إلى توضيح علاقتها مع حماس، وإغلاق مكاتب الجماعة في تركيا، وإلغاء جوازات السفر التركية التي يعتمدها قادتها. ويصبح السؤال المطروح على أردوغان هو ما إذا كان يريد أن يكون مفاوضا أم ميسّرا.

◙ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المؤيد لحماس وجه أشد انتقاداته للولايات المتحدة منذ الهجمات. ويواصل الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية

ويكمن العائق الثاني في علاقات تركيا مع الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية، وهو أمر لا يمكن تجاوزه.

وحافظت تركيا على علاقاتها مع حركة حماس المسلحة، بينما شنت هجوما ضد وحدات حماية الشعب في سوريا، وهي الجماعات المسلحة ذات الأغلبية الكردية التي تشكل قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الغرب. وقد وصف أردوغان وحدات حماية الشعب بأنها إرهابية بسبب علاقتها بحزب العمال الكردستاني الذي يحتفظ بحركة عصابات مسلحة داخل تركيا.

ووقّع الرئيس الأميركي جو بايدن أمرا تنفيذيا بتمديد الوجود العسكري الأميركي في المنطقة إثر الضربة الأخيرة ضد قوات سوريا الديمقراطية، والهجوم التركي بطائرة مسيّرة قرب قاعدة أميركية في شمال شرق سوريا.

كما سبّب صراع تركيا مع حزب العمال الكردستاني (ووحدات حماية الشعب/قوات سوريا الديمقراطية) ألما جيوسياسيا في أوروبا. واتهم أردوغان السويد، خلال مساعي انضمامها إلى حلف الناتو، بإيواء مقاتلي حزب العمال الكردستاني. وعمل على تعطيل محاولتها.

وترى واشنطن أن تصرفات تركيا وخطاب أردوغان المناهض للولايات المتحدة يهدفان إلى طرد القوات الأميركية من الأراضي السورية. وهذا ما قد يفسر سبب استثناء تركيا من الدول العديدة التي زارها وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال جولته الأخيرة في الشرق الأوسط، ولماذا وصلت الثقة بين الحليفين إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.

وفي مثل هذا المناخ المتأزم، من غير المرجح أن يلجأ الرئيس بايدن (الذي وصل إلى إسرائيل هذا الأسبوع) إلى أردوغان في وقت الحاجة. فعلى الرغم من تطلعات أنقرة، ستكون مصر وقطر طرفا طاولة المفاوضات بينما تسعى واشنطن إلى الخروج من مستنقع الحرب في غزة.

ياوز بيدر – صحفي تركي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة