دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – تصفير مشاكل أردوغان

أردوغان الفائز سيخرج من الانتخابات مهزوزا سياسيا مثله مثل أردوغان الخاسر، هناك هموم كبرى أمام تركيا عليها أن تتجاوزها للعودة بالاقتصاد التركي إلى النقطة التي سبقت انحدار الليرة واشتعال التضخم.

أردوغان يواجه موقفا صعبا في انتخابات الإعادة
على السطح تبدو سياسة “تصفير المشاكل” التي أطلقتها الإمارات وتبنتها السعودية، مخرجا للمنطقة من الصراعات السياسية في مرحلة ما بعد إنهاك الإخوان. في البداية ينبغي الإشارة إلى أنه من الصعب تخيل أن هناك فائدة من التعويل على “صفر مشاكل” مع إيران. ثمة فارق كبير بين المشاكل التي تأتينا من إيران عن تلك القادمة من تركيا. إيران مشروع تغيير عميق للمنطقة بأدق تفاصيل التغيير، ابتداء من المعتقد الديني وصولا إلى النفوذ والحكومات. في حين تبنت تركيا مشاريع الاختراق ولا يهمها الكثير من تفاصيل صنع النفوذ داخل الدول العربية طالما يحقق النفوذ أغراضها.

لهذا ثمة تحالف كبير بين تركيا وقطر على سبيل المثال، لكن لا وجود لمثل هذا التحالف بين إيران ودولة عربية إلا إذا اعتبرنا بلدا منعدم الاستقرار مثل سوريا نموذجا للمقارنة مع قطر. إيران خطة تغيير فيها الكثير من المحطات الجغرافية والمراحل الزمنية. تركيا مشروع انتهازي يهز الأبواب لعلها تفتح أمامه فيدخل. إيران تنفيذ للرؤية التي اختطها آية الله الخميني. تركيا اختطاف لمتغيرات فرضها “الربيع العربي” وتصادفت في لحظة الذروة لصعود رجب طيب أردوغان.

◙ تركيا ما بعد الانتخابات تحتاج إلى “تصفير المشاكل” مع نفسها ومع جيرانها مع الاقتصاد والبنوك المحلية والعالمية وأن تتبنى منطق التعايش مع عالم غير مستعد لتقبل منطق المغامرات والإمبراطوريات

حتى بالتفاصيل الصغيرة الأمر يختلف. لا يمكن مثلا تفسير الاستغناء عن الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أو استقالته – لا فرق – في لحظة مهمة من التقارب بين إيران والسعودية كان هو أهم مهندسيها. شمخاني ترس بسيط في آلة تشتغل، ولا يقدم أو يؤخر تغييرها. في حين، يحاط أردوغان بكل فريق الأمن القومي الخاص به المخضرم والمؤثر، من رئيس المخابرات إلى وزير الخارجية إلى وزير الدفاع. هؤلاء هم رجال الرئيس ومشروعه.

“تصفير المشاكل” إذا بالدرجة الأولى هو مع تركيا. فهم أردوغان أن ركوب الإخوان موجة الربيع العربي لم يقد إلى النتائج التي كان ينتظرها. ضعف المركزية الإخوانية وعمومية شعاراتها وانشقاقاتها البنيوية بين أخونة حقيقية وأخرى سرورية وثالثة متملقة للتيارات السلفية، وتقدم عمر قياداتها بشكل عام، صبت لصالح الدول التي تواجهها. وكان المقتل يوم سقط حكم الرئيس المصري محمد مرسي عندما تأكدت السعودية، وإلى درجة أقل الكويت، من وجهة النظر الإماراتية بأن الموضوع أكبر من شغب سياسي قطري وأن تركيا وقطر مصممتان على استغلال فوضى الربيع العربي للوصول إلى غاية التغيير في المنطقة. وكما ركزت الإمارات والسعودية والكويت على الإخوان وتركيا وقطر، ونسفت مشروعهم في مصر، فإن الإخوان وتركيا وقطر ركزوا على الثلاثي الخليجي، لأسباب أهمها أن الإمارات والسعودية والكويت ليست أهدافا لعملية التغيير السياسي في تلك الدول فقط، بل مصدرا لتمويل التغيير في كل المنطقة.

الاستثمار المالي والسياسي القطري كان كبيرا في المشروع، ومثله كان العناد التركي الأردوغاني، مما حال دون انهيار المشروع مبكرا عام 2013 مع لحظة سقوط محمد مرسي. وقدم الانهيار السوري فرصة تعويض محتملة، خصوصا من ضبابية الرؤية السعودية للمشهد هناك واستثمار الرياض في مسعى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، حتى وان كان هذا سيكون لصالح أعدائها السياسيين قطر وتركيا.

لكن حركة الزمن كانت ضد قطر وتركيا والإخوان. فأهم ما كان يواجههم هو إرادة إماراتية لا تلين متمثلة بشخص الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وتدخل القدر بحدوث تغييرات كبيرة في السعودية قادت إلى صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وتوليه مقاليد الحكم فعليا. تضعضع وضع الإخوان، وأدركت قطر، مع المقاطعة الرباعية لها، حجم قوتها وتأثيرها، فخفّفت من توقعاتها من الإخوان، ثم بدأ مسلسل تراجع الحضور التركي بأزمات تركية داخلية مالية بالدرجة الأولى، وسياسية وإقليمية.

◙ ضعف المركزية الإخوانية وعمومية شعاراتها وانشقاقاتها البنيوية بين أخونة حقيقية وأخرى سرورية وثالثة متملقة للتيارات السلفية، وتقدم عمر قياداتها بشكل عام، صبت لصالح الدول التي تواجهها

اليوم، وأردوغان يواجه موقفا صعبا في انتخابات الإعادة رغم أنه قد يخرج فائزا منها، تبدو سياسة “تصفير المشاكل” الإماراتية – السعودية حبل إنقاذ لأردوغان. السباق على الرئاسة بينه وبين مرشح المعارضة كمال قليجدار أوغلو متقارب إلى درجة مقلقة. علينا أن نتخيل لو أن الإمارات والسعودية قد استثمرتا في الإساءة إلى سمعة أردوغان في هذه المرحلة، ماذا يمكن أن يحدث، أو لو قررتا تفعيل علاقاتهما في زيادة صعوبة استمراره في الحكم. لن تكونا قد بادرتا بالإساءة، فتاريخ الرئيس التركي في التعامل مع البلدين مليء بالمكائد والمشكلات. وحتى عندما لجأ إلى بذاءة لا تليق برئيس، لم يردّ عليه أحد بشكل علني في أبوظبي أو الرياض. حتى الحليف القطري لم يجاهر بتأييده في الانتخابات الحالية، على الرغم من تاريخ العلاقة المصيري بينهما.

أردوغان الفائز سيخرج من الانتخابات مهزوزا سياسيا مثله مثل أردوغان الخاسر. هناك هموم كبرى أمام تركيا عليها أن تتجاوزها. العودة بالاقتصاد التركي إلى النقطة التي سبقت انحدار الليرة واشتعال التضخم تبدو صعبة جدا على المدى المنظور، وليست ممكنة ضمن المعطيات العالمية الراهنة. لا الدول الإقليمية المتمكنة ماليا، بما فيها قطر، بمستعدة لتوفير المال بلا شروط أو سقف لتركيا، ولا البنوك الغربية براغبة بالضخ في الثقب الأسود المالي التركي الذي يبدو بلا قاع، سواء بالقدرة على تسديد الديون السابقة أو بتفعيل سياسات اقتصادية ومالية متوازنة تعيد بعض الاستقرار لسوق تركه أردوغان لصهره براءت البيرق لسنوات يجرب فيه نظريات ابتدعها الرئيس التركي بعيدا عن كل منطق اقتصادي، عن أسعار الفائدة والتنمية ومحاربة التضخم.

تركيا ما بعد الانتخابات تحتاج إلى “تصفير المشاكل”، مع نفسها ومع جيرانها، مع الاقتصاد والبنوك المحلية والعالمية، وأن تتبنى منطق التعايش مع عالم غير مستعد لتقبل منطق المغامرات والإمبراطوريات، الحقيقية أو تلك التي تستعيد أمجادا تاريخية. أما أردوغان، الفائز أو الخاسر، فيحمد الله أن بادر العقلاء إلى تهدئة الجبهات معه في مرحلة هو أحوج فيها أن يكون بعيدا عن المشاكل.

د. هيثم الزبيدي – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة