دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – بوتين يحصد ما زرعه!

هل توفّر الضربة التي تلقاها بوتين في ضوء تمرّد قائد “فاغنر” فرصة كي يعود إلى جادة الصواب من منطلق أنّ عليه الآن مواجهة ما سمّاه “عصيانا” يهدد بالفعل مصير روسيا؟

الانقلاب غير معطيات الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا

انقلب السحر على الساحر. مثلما انقلب أسامة بن لادن في الماضي على الأميركيين الذين صنعوه، انقلب يفغيني بريغوجين، قائد مجموعة “فاغنر”، على فلاديمير بوتين. يحصد بوتين ما زرعه بعدما استعان ببريغوجين في أوكرانيا وقبل ذلك في الحرب على الشعب السوري وفي أماكن أخرى من العالم.

غيّر الانقلاب معطيات الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا. كشف الانقلاب أنّ بوتين فشل في كلّ ما قام به إلى الآن منذ اتخذ قراره بغزو أوكرانيا في 24 شباط – فبراير 2022.

لا يكشف انقلاب قائد “فاغنر”، خريج السجون، على بوتين الضعف الروسي فحسب، بل كشف أيضا هشاشة الوضع في بلد كان رئيسه يطمح إلى استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي. على الرغم من الحلّ الوسط الذي تم التوصّل إليه والذي انتقل بموجبه بريغوجين إلى بيلاروسيا، بات على المحكّ، الآن، مستقبل الاتحاد الروسي في ضوء خوض فلاديمير بوتين مغامرته الأوكرانيّة على غرار خوض صدّام حسين مغامرته الكويتيّة صيف العام 1990. من يتذكّر انقلاب الشخص الأمّي الذي كان اسمه حسين كامل على صدّام حسين؟ كان حسين كامل في مرحلة معيّنة، صاحب نفوذ كبير وأقرب الناس إلى صدّام بعد زواج حسين كامل من ابنته؟

توجد حاجة إلى مواقف شجاعة ونبيلة تؤمّن تحقيق نتيجة إيجابية في مجال وقف الحرب والمحافظة على الأرواح ومنع الحرب من الامتداد إلى الداخل الروسي

قبل أيّام من تمرّد بريغوجين على بوتين، بدا واضحا أن أوروبا لا يمكن، بدعم أميركي صريح، قبول انتصار روسي في أوكرانيا بغض النظر عن الكلفة. فهم “طبّاخ بوتين”، أي بريغوجين الذي كان بوتين يرتاد مطاعمه في سانت بطرسبرغ، هذه المعادلة ولم يفهمها الرئيس الروسي نفسه. يؤكّد ذلك المؤتمر الذي انعقد في لندن حديثا وخصّص لإعادة إعمار أوكرانيا. تحدّث زيلينسكي في افتتاح المؤتمر وأكّد أنّ سقوط أوكرانيا في يد روسيا سيعني أن أوروبا كلّها صارت مهدّدة. عرف الرئيس الأوكراني كيف يربط مصير بلده بمصير أوروبا. أقرّ مؤتمر لندن مبالغ كبيرة بالمليارات (نحو ستين مليار يورو) لإعادة إعمار أوكرانيا.

تعني التطورات الروسيّة الأخيرة أنّ ثمّة ضرورة لإنهاء الحرب الأوكرانيّة عبر معادلة بسيطة تأخذ في الاعتبار الحاجة الأوروبيّة إلى منع روسيا من الهيمنة على أوكرانيا من جهة، وإيجاد صيغة تنقذ ماء الوجه لفلاديمير بوتين من جهة أخرى. هل فات أوان الحلول السياسيّة في أوكرانيا؟ الجواب أن الحاجة ملحّة أكثر من أي وقت، من منطلق سياسي وإنساني، لوقف الحرب والتفكير في مخرج يضمن أوّل ما يضمن سلامة الأراضي الأوكرانيّة.

توجد حاجة إلى مواقف شجاعة ونبيلة تؤمّن تحقيق نتيجة إيجابية في مجال وقف الحرب والمحافظة على الأرواح ومنع الحرب من الامتداد إلى الداخل الروسي. لم يعد سرّا أن الشجاعة السياسية تعني تفادي قطع العلاقة بفلاديمير بوتين بغض النظر عن كلّ أخطائه. ثمّة حاجة إلى بقاء التواصل معه من أجل الوصول إلى مخرج سياسي لحرب طاحنة مرشحة للاستمرار طويلا وتهديد السلام العالمي، خصوصا في ضوء تهديد روسي، المرّة تلو الأخرى، باستخدام السلاح النووي. كان لافتا بدء نقل أسلحة نووية روسيّة إلى أراضي بيلاروسيا البلد الحليف للاتحاد الروسي والذي لديه حدود مشتركة مع أوكرانيا!

كان اللقاء الذي انعقد أخيرا في مدينة سانت بطرسبرغ، قبل أيّام قليلة من تمرّد بريغوجين، بين الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الأمارات والرئيس الروسي يندرج في سياق الجهود التي لم يتوقف الشيخ محمّد عن بذلها من أجل وقف الحرب الأوكرانيّة. لا بدّ من التذكير بأنّه سبق للرئيس الإماراتي أن زار موسكو والتقى الرئيس الروسي في مرحلة ما بعد بدء الحرب الأوكرانيّة. لا بدّ من التذكير أيضا بأنّ الرئيس الإماراتي يمتلك خطوطا مفتوحة مع أوكرانيا التي حصلت على مساعدات ماليّة وأخرى ذات طابع إنساني من الإمارات كما استقبل في أبوظبي، قبل نحو ثلاثة أشهر، زوجة زيلينسكي التي كانت في الإمارات لحضور ندوة ذات طابع دولي.

انقلاب قائد “فاغنر”، خريج السجون، على بوتين لا يكشف الضعف الروسي فحسب، بل كشف أيضا هشاشة الوضع في بلد كان رئيسه يطمح إلى استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي

لم يأبه الرئيس الإماراتي، الذي تحدث عن “ضغوط” مورست على أبوظبي بسبب العلاقة التي تقيمها مع موسكو، بكلّ المحاولات لثنيه عن إبقاء خطوط التواصل مع فلاديمير بوتين مفتوحة. توجد ضرورة ملحّة لوقف الحرب الأوكرانية التي تحولت إلى حرب عبثية. وقف هذه الحرب أولويّة في ظلّ التطورات الأخيرة.

لا شكّ أنّ الحسابات التي قام بها الرئيس الروسي، بما في ذلك بدء الهجوم الشامل على أوكرانيا، قبل سنة وأربعة أشهر، كانت حسابات خاطئة. لكنّ الحكمة تقول أنّ الحاجة إلى وقف الحرب اليوم قبل غد. هل توفّر الضربة التي تلقاها بوتين، في ضوء تمرّد قائد “فاغنر” فرصة كي يعود إلى جادة الصواب من منطلق أنّ عليه الآن مواجهة ما سمّاه “عصيانا” يهدد بالفعل مصير روسيا؟ في النهاية، سيحاسب الشعب الروسي رئيسه الذي تبيّن أنّه لا يعرف العالم ولا يعرف شيئا عن موازين القوى السائدة فيه.

يستحق السلام في أوكرانيا مقاومة كلّ أنواع الضغوط التي تمارسها أطراف دولية من أجل وقف الاتصال ببوتين. يعود ذلك إلى أن ردّ فعل الرئيس الروسي ليس من النوع الذي يمكن التكهّن به، خصوصا في ظلّ امتلاك روسيا لترسانة نووية. فضلا عن ذلك، لا يمكن التكهّن برد فعل رجل يرفض الاعتراف بأخطائه من جهة، وقبول فكرة الهزيمة في أوكرانيا من جهة أخرى. نعم، يحتاج فلاديمير بوتين إلى مداراة من دون تخلي أميركا وأوروبا عن ضرورة حماية الوحدة الترابيّة لأوكرانيا والمحافظة عليها.

تبقى نقطة أخيرة يختزلها سؤال مهمّ: ما مصير شبه جزيرة القرم التي أعادت روسيا السيطرة عليها في العام 2014. هل تكون القرم، مع ضمانات أخرى تتعلّق مثلا بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، جائزة الترضيّة لبوتين في مقابل جعله يهضم الانسحاب من أوكرانيا وتفادي إطالة حرب يتبيّن يوميا أنّه لا يمكن أن يخرج منها منتصرا… بل يمكن أن تؤدي إلى تفجير روسيا من الداخل؟

خيرالله خيرالله – إعلامي لبناني – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة