دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – النظام السوري يتلاعب بالأقليات للبقاء في السلطة

طريقة تعامل النظام السوري مع جميع الأديان والإثنيات بما في ذلك المذاهب والعشائر العربية والعلوية والأرمن ومؤخرا الطائفة الأحمدية هدفت إلى شراء ولاء هذه الأقليات لاستخدام علاقاتها الدولية في تسويق وتعويم النظام.
كما كان متوقعا أمر بشار الأسد بإعادة تعيين حمودة صباغ رئيسا لمجلس الشعب، لكن السؤال لماذا تم ذلك لهذا الشخص الذي يرأس المجلس منذ سبتمبر 2017، ولماذا تم اختياره أصلا في ذلك التاريخ لهذا المنصب؟
سأسرد بعض المعطيات والأحداث التي تبين طريقة عمل وتفكير النظام بالتعيينات بكل مناصب البلد، فهو يستخدمها لإرسال رسائل لكل الجهات سواء الداخلية أو الخارجية، فالتعيين لا يتم بناء على الخبرة أو الكفاءة أو حسن تأدية العمل، وهو يعرف أن صاحب أي منصب لا يقوم بفعل أي شيء حقيقي، فالأمور المهمة جميعها تأتيه بأوامر من جهات خارج منظومة العمل الإداري التقليدي أو الحكومي ويترك له فقط الأمور الإدارية الروتينية والإجرائية.
عندما اندلعت الثورة السورية عام 2011 كان ناجي العطري، وهو من مدينة حلب، رئيسا للوزراء، ومحمود الأبرش من دمشق رئيسا لمجلس الشعب، وهذه الثنائية (دمشق – حلب) كانت هي الغالبة في فترات سوريا الحديثة، ما بعد الاستقلال حتى فترة حافظ الأسد، والذي أدخل مفهوما جديدا يقضي بتوزيع المناصب حسب المدن والأديان والمذاهب، وفقا لدرجة رضاه عن تلك المدن أو المذاهب أو لكسب رضاها واستقطابها في حالات الأزمات.
مثال على ذلك، بعدما اندلعت الحرب اللبنانية ودخلت القوات السورية إلى لبنان ومن ثم بدأت أحداث الإخوان المسلمين، والتي انتهت بأحداث حماة 1982، عين النظام السوري وقتها مسيحيا مارونيا هو كمال يوسف رئيسا لفرع التحقيق في المخابرات العسكرية، والتي كانت تقوم بالتحقيقات مع الإخوان المسلمين وأيضا مع اللبنانيين (كتائب ومن ثم القوات اللبنانية)، ليضع مسيحيا في مواجهة الأغلبية السنية ويفكك المجتمع، ليصبح نظامه حامي الأقليات، وليس النسيج الاجتماعي التقليدي للسوريين، وأيضا ليضع مارونيا في مواجهة الموارنة من أهالي المعتقلين والمخطوفين والبطريرك صفير بلبنان.
لم يكتف النظام بذلك، فعندما كان يشدد القصف على المناطق الشرقية المسيحية المارونية ببيروت ويحضّر لاقتحامها في سنة 1990 قام قبل ذلك بتعيين ماروني هو مطانيوس حبيب وزيرا للنفط عام 1987، ليرسل رسالة أنه ليست لديه مشكلة مع الموارنة، وليكسب الطائفة المارونية السورية، وبعد أن اقتحم بيروت الشرقية لم يجد مبررا للتمديد للوزير فخرج من الوزارة عام 1992.
وعندما كانت هناك انتقادات من البطريرك صفير للدور السوري ومن العماد عون في منفاه بباريس، قام عام 2000 بتعيين ماروني، وليد البوز، عضوا في القيادة القطرية لحزب البعث، وهو منصب يعادل مرتبة رئيس الوزراء بالبروتوكول، لإرسال نفس الرسالة داخليا ولبنانيا، وعندما خرجت القوات السورية من لبنان في 26 أبريل 2005، لم يجد غضاضة من تغييره في 9 يونيو 2005.
علما أن هناك كثيرا من الإثنيات والمذاهب عدد أفرادها أكبر بكثير من الموارنة السوريين، الذين لا يملكون سوى مطرانا واحدا، وعددهم لا يتجاوز بضعة آلاف من العائلات، ولم يسبق لهم أن حصلوا على أي من هذه المناصب الرفيعة.
نعود لفترة بشار الأسد الذي ورث عن أبيه، محمد مصطفى ميرو، وهو من ريف دمشق، وكان حينها رئيسا للوزراء، وورث عبدالقادر قدورة، ابن دمشق، وكان رئيسا لمجلس الشعب. حافظ بشار الأسد على هذا الدعم الكبير لدمشق، لأنه كان يحتاج لرجال الأعمال فيها، وللدمشقيين بشكل عام، لترسيخ وجوده مقابل الحرس القديم، واستمر على ذلك سنتين عندما وضع الحلبي ناجي العطري رئيسا لمجلس الشعب، وبعد عدة أشهر نقله لرئاسة الوزارة، وعين محمود الأبرش الدمشقي رئيسا للمجلس واستمر الاثنان، حلب – دمشق، من 2003 إلى أبريل 2011، تاريخ اندلاع الثورة.
وحين أصبح تأمين العاصمة ومحيطها أولوية، قام بتغيير رئيس الوزراء الحلبي، ووضع عادل سفر، من ريف دمشق، بدلا منه، وعندما فشل سفر بضبط الحراك الثوري في ريف دمشق، وبدأت تشتد الأمور بدير الزور، قام بتعيين رياض حجاب، من دير الزور في يونيو 2012 رئيسا للوزراء، ليقمع الحراك. وعندما لم يتحمل ما يجري من قصف من قبل النظام لمدينته، انشق وخرج من سوريا بعد عدة أشهر في أغسطس، ليعين بشار بدلا منه وائل الحلقي، من درعا، ليستخدمه في قمع الحراك بدرعا، الذي كان قد تنامى كثيرا وأبقى على تعيين دمشقي في رئاسة مجلس الشعب، إذ عين في مايو 2012 جهاد اللحام، واستمر الاثنان معا مدة أربع سنوات حتى 2016، ليقوم بعدها بتغييرات جديدة.
ولكي يرسل رسالة قاسية للمنشق رياض حجاب، قام بتعيين ابنة محافظته، الدكتورة هدية عباس كأول رئيسة لمجلس الشعب السوري، ليرسل له رسالة أننا نستطيع أن نجلب أيضا دكتورة، ومن دير الزور، تقبل بالعمل معنا بدلا منك، وليرسل رسالة للمجتمع الدولي الذي شهد تنامي تسلم السيدات للمناصب، مفاد الرسالة أن النظام السوري علماني ومنفتح، وأن المرأة تستلم أعلى المناصب.
ولشرح الأمر أكثر كان بشار الأسد يستطيع تعيين عضو القيادة القطرية الدكتورة فيروز موسى، من حمص، رئيسة لمجلس الشعب، إذ كان فقط يريد أن يظهر بأنه يدعم السيدات، وهي سيدة وتحقق شرط أن يكون رئيس مجلس الشعب عضوا في قيادة حزب البعث، بينما هدية عباس لا تحقق ذلك الشرط، بل أصبحت عضوا في القيادة بعد أن أصبحت رئيسة للمجلس.
وبعد أن حقق ما أراد من خلال الرسائل قام بإقالتها بعد 15 شهرا وتعيين المسيحي السرياني حمودة الصباغ، من الحسكة، ليحرج به الإدارة الذاتية ويرسل رسالة أننا أفضل منكم بالحريات الدينية ونعين مسيحيا كرئيس لمجلس الشعب. وفي الانتخابات الأخيرة قبل شهر، وحرصا على نجاحه، لم يجعله يحضر الانتخابات الأولية داخل حزب البعث، لأنه يعرف أنه سيخسرها بحجة أنه عضو قيادة قطرية ولا يجوز أن يدخل الاستئناس الحزبي (الانتخابات الأولية)، ليرسل رسالة له أننا من أتينا بك وليس شعبيتك أو جماعتك في الحسكة، ووضع ترتيبه من ناحية الأصوات الثالث في قائمة الناجحين، رغم أنه كان يستطيع أن يضعه الأول كما فعل مع عمار الأسد وكل القريبين من النظام.
ومن أمثلة الرسائل ما يفعله مع طائفة السريان الأرثوذكس، وكان دائم الحرص على تعيين واحد من بينهم محافظا أو وزيرا، إلا في الفترات الإشكالية، مثال ذلك عندما كان البطريرك هزيم، بطريرك الروم الأرثوذكس، أكبر طائفة مسيحية، ينتقد بعض الإجراءات للنظام، لم يتم عندها تعيين عضو قيادة في الحزب من طائفته، رغم أن ذلك كان تقليدا متبعا من عام 1970، ووضع بدلا منه، سعيد إيليا، السرياني، عام 2005، وبعد اندلاع الثورة لم تكن لسعيد إيليا علاقات بالحسكة والقامشلي تمكنه من لعب دور تهدئة بالمنطقة، ولم يكن أصلا هو مستعدا للعب هذا الدور، لذلك تم تغييره عام 2013 ليغادر سوريا إلى السويد ملتحقا بعائلته هناك.
وكان البطريرك السرياني زكا الأول عيواص قد انزوى في لبنان بعيدا عن سوريا كي لا يضطر للمشاركة في احتفالات النظام، أو يجبر على إعطاء تصاريح مؤيدة للنظام، لذلك لم يتم تعيين أي سرياني في أي منصب خلال السنوات الأخيرة بعد إزاحة سعيد إيليا، وعندما توفي البطريرك في مارس عام 2014، وتم تعيين بطريرك جديد تربطه علاقات جيدة مع النظام، بدأ العمل على تعيين السريان حيث تم تعيين حمودة الصباغ من الحسكة عضوا في قيادة حزب البعث في أبريل 2017، وبعدها رئيسا لمجلس الشعب منذ سبتمبر 2017 حتى الآن.
ما عرضناه أعلاه ينطبق على طريقة تعامل النظام السوري مع جميع الأديان والإثنيات، بل يذهب بتفاصيل أعمق ليشمل المذاهب والعشائر العربية والعلوية والأرمن، ومؤخرا الطائفة الأحمدية، التي سمح لها بالنشاط في سوريا مقابل استخدام علاقاتها الدولية للعمل على تعويم النظام وتخفيف العقوبات عليه.

أيمن عبدالنور – كاتب ومحلل سوري – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة