دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – إلى أين يتجه العراق؟

الحقيقة التي غابت عن المالكي والإطار أنه لا الصدر بقي كما كان قبل انتخابات 10 أكتوبر المبكرة ولا الديمقراطي الكردستاني ولا السنة كلهم خرجوا من الانتخابات المبكرة سادة جددا للعراق.
العنجهية السياسية
يبدو أن الأزمات الكثيرة العالقة والمشاكل التي تركت دون حل طوال الفترة الماضية من حكم الشيعة ابتداء من عام 2005 إلى الآن، قد أتت أكلها وبدأت تنفجر بوجه أصحابها وبوجه العراقيين، المشكلة بدأت عندما ركنوا الدستور الذي صوت عليه 80 في المئة من العراقيين جانبا، وذهبوا إلى الاتفاقات والتوافقات السياسية والحصص، وحوّلوا الدولة إلى ضيعة لهم ونهبوا ثرواتها وجوّعوا شعوبها وأذلوها، حتى جعلوها من أتعس وأشقى شعوب المنطقة والعالم، وأدخلوها في محاور إقليمية طائفية وشكلوا ميليشيات وفصائل وسلطوها على خصومهم السياسيين.
وبعد أن نكلوا بالعراقيين وأذاقوهم ذل الهوان، جاء دور المواجهة العسكرية واللجوء إلى الأسلحة وتحويل العراق إلى ساحة حرب ضروس، وقد بدأت أولى خيوطها بالظهور عندما اقتحمت جماهير التيار الصدري المنطقة الخضراء ودخلت البرلمان احتجاجا على ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء من قبل الإطار التنسيقي ونوري المالكي العدو اللدود لمقتدى الصدر.
هذا التصعيد قابله تصعيد آخر من قبل المالكي عندما شوهد وهو يحمل كلاشينكوف خارج منزله محاطا برجاله المدججين بالسلاح وكأنه ذاهب لقتال الصدريين الغاضبين!
وهذه سابقة خطيرة لم تحدث من قبل، وقد تتطور الأوضاع في الأيام القادمة إلى مواجهة مسلحة ويتحول العراق إلى ساحة حرب حقيقية بين التيار الصدري الذي فاز في انتخابات أكتوبر 2021 المبكرة وشكل تحالفا ثلاثيا مع الديمقراطي الكردستاني والسيادة السنية واستعد لتشكيل حكومة جديدة، وبين الإطار التنسيقي الخاسر في الانتخابات الذي اعترض على النتائج ووقف حجر عثرة أمام الصدر لتشكيل الحكومة من خلال العمل على الثلث المعطل في البرلمان وجمع أكثر من ثلث البرلمان العراقي وأدى إلى تعطيل جلستي انتخاب رئيس الجمهورية مرتين متتاليتين، الأمر الذي أغضب الصدر ودفعه إلى الانسحاب من العملية السياسية وسحب نوابه الـ73 من البرلمان.
إذا كان المالكي استطاع أن يتولى الحكم لولاية ثانية في انتخابات 2010.. فإن الزمن قد تغير وتغيرت معه موازين القوى، وأصبح الصدر يتحكم في الشارع الشيعي والعراقي
انسحاب الصدر فسح الطريق أمام الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة وترشيح محمد شياع السوداني من حزب المالكي لتولي رئاسة الحكومة، وهو ما اعترض عليه الصدر فأوعز لأنصاره باقتحام منطقة الخضراء والبرلمان يوم 27 يوليو معتبرا ذلك مجرد “جرة إذن!”، و”غداً ثورة إصلاح “وفق ما جاء في تدوينة وزيره المعروف بصالح محمد العراقي. ولكن متى يشعل الصدر هذه الثورة “الإصلاحية” على الفاسدين؟ لا أحد يعلم بالضبط، قد يباغت خصومه في أيّ لحظة ويقتحم أوكارهم دون سابق إنذار كما جرى في اقتحامه الأخير.
ما أثار غضب الصدر أن الإطار التنسيقي في ترشيحه للسوداني تجاهل وجوده تماما ولم يقم لرأيه أيّ اعتبار، بل تعمد إثارة حفيظته في اختيار شخصية جدلية في حزب المالكي لمنصب رئاسة الوزراء. وهذا ما يرفضه الصدر رفضا قاطعا ولن يتهاون معه. كان من الأجدر بأعضاء الإطار التنسيقي أن يستشيروا الصدر قبل الإعلان عن مرشحهم، لا أن يتجاهلوه ويفرضوا عليه الأمر الواقع.
وإذا كان المالكي استطاع أن يتولى الحكم لولاية ثانية في انتخابات 2010، ويفرض أجندته السياسية على القوى العراقية وهو خاسر (89 مقعدا مقابل 91 مقعدا لإياد علاوي) فإن الزمن قد تغير وتغيرت معه موازين القوى، وأصبح الصدر يتحكم في الشارع الشيعي والعراقي أيضا، وكذلك خرج الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني من الانتخابات أقوى سياسيا وجماهيريا. والأمر نفسه بالنسبة إلى السيادة السنية.
الحقيقة التي غابت عن المالكي والإطار التنسيقي، أنه لا الصدر بقي كما كان قبل انتخابات 10 أكتوبر المبكرة، ولا الديمقراطي الكردستاني ولا السنة بزعامة الحلبوسي والخنجر، كلهم خرجوا من الانتخابات المبكرة سادة جددا للعراق. ولكن العنجهية السياسية والاغترار بالقوة الميليشياوية والاعتماد على الدعم الخارجي جعلهم يتعامون عن رؤية الحقيقة، وهي أن الانتخابات الأخيرة أفرزت معادلة سياسية جديدة في العراق، فلا التهديدات تنفع معهم ولا صواريخ كروز ولا الطائرات المسيرة، وعليهم الرضوخ للأمر الواقع والنزول من برجهم العاجي بروح رياضية.

محمد واني – كاتب كردي عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة