دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – إسرائيل تجر الدول الكبرى إلى هلاكها

الصين وروسيا كانتا دائما على خلاف مع الولايات المتحدة بتقديراتها لمسألة السلام العالمي ولكنهما كانتا على علم أيضا أن مسألة أمن إسرائيل إنما تقع في المكان الذي لا يقبل النقاش.

كم من الأطفال يكفي إسرائيل
عام 1956 وبعد قيام مصر بتأميم قناة السويس شنت ثلاث دول هي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل حربا شاملة عليها. ولم يتوقف ذلك العدوان إلا بعد أن تدخلت الولايات المتحدة ومنعت الدول الثلاث من الاستمرار فيه. من المفهوم أن الولايات المتحدة لم تتدخل دفاعا عن مصر، بل عن مصالحها في المنطقة فقد كانت تريد أن تحل محل بريطانيا قوة عظمى في المنطقة كما سعت إلى منع مصر من الانزلاق في الحاضنة السوفييتية. ما نجحت الولايات المتحدة في فعله رسخ يومها مكانتها قوة عالمية عظمى. وهو ما كان متوقعا بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية منتصرة من غير أضرار وكانت مساهمتها في تحرير أوروبا من الاحتلال النازي ووأد النازية في عقر دارها قد ثبتت حقائق جديدة على مستوى ميزان القوى في العالم.

منذ ذلك الوقت بدأ العد التنازلي لأوروبا وكانت الحرب الباردة التي كان طرفاها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي مناسبة لوضع حدود فاصلة بين أوروبا الشيوعية وأوروبا الحرة وهو ما انعكس عسكريا من خلال حلفي الناتو ووارسو. ولكن رسم تلك الحدود في حقيقتها كان قد أضعف أوروبا وجعل منها ملعبا لصراع ستدفع دولها ثمنه من سيادتها واستقلالها وأيضا من مستقبلها. فمنذ ذلك الوقت والولايات المتحدة تبني قوتها الكونية باعتبارها ممثلة لاستعمار جديد ورث ممتلكات أوروبا القديمة وصارت بغض النظر عن تأسيس الاتحاد الأوروبي ومنجزاته الداخلية وسعيه إلى الاستقلال اقتصاديا وسياسيا عنها زعيمة للعالم الغربي وصوته الذي لا يقبل الاختلاف ويستاء بطريقة مبتذلة حين تبدي أوروبا نوعا من الاعتراض على قراراته. وهو ما بدا واضحا عام 2003 حين اعترضت فرنسا على مشروع الاحتلال الأميركي للعراق فوصفت الولايات المتحدة أوروبا بالقارة العجوز.

عالمنا اليوم تحكمه إسرائيل سياسيا من خلال هيمنة الولايات المتحدة على العالم

لم تقو فرنسا ولا الصين ولا روسيا على منع الولايات المتحدة من غزو العراق. ولكن الولايات المتحدة استطاعت قبل حوالي خمسين سنة أن تمنع فرنسا وبريطانيا وهما دولتان عظميان حسب التصنيف المتداول أمميا تبعا لتاريخهما الاستعماري من الاستمرار في عدوانهما على مصر. ترى هل يمكن تطبيق ذلك المنظور على عجز دولتين عظميين هما روسيا والصين عن وقف العدوان على غزة في ظل انصهار الموقف البريطاني والفرنسي في الموقف الأميركي المؤيد لاستمرار حرب الإبادة التي تنفذها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني في غزة؟

لا في مجلس الأمن ولا خارجه نجحت الدولتان (الصين وروسيا) في فرض حل مختلف عن الحل الذي فرضته إسرائيل وأيدته الولايات المتحدة كما لو أن الدولتين ليستا مهتمتين بالسلام العالمي الذي هو شعار وجودهما عضوين ثابتين في مجلس الأمن أو أن ما يحدث في غزة لا يهدد من وجهة نظرهما السلام العالمي. وفي ذلك ما يُريب. فالصين وروسيا كانتا دائما على خلاف مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بتقديراتها لمسألة السلام العالمي. ولكنهما كانتا على علم في الوقت نفسه أن مسألة أمن إسرائيل وسلامة مواطنيها إنما تقع في المكان الذي لا يقبل النقاش بالنسبة إليها. ذلك ما يمكن تفهمه. غير أن حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل قد تجاوزت الحدود المسموح بها حتى في سياق القبول بالتواطؤ الأميركي مع الدولة العبرية.

وقبل أن نتعرض للموقف الصيني – الروسي المزري من مسألة غزة علينا أن نتفحص الموقف الأميركي. تبدو الإدارة الأميركية اليوم كما لو أنها خاضعة تماما لإسرائيل. ما يقوله البيت الأبيض لا يصب في تأييد حكومة بنيامين نتنياهو في حربها وحسب، بل يذهب أيضا إلى المطالبة بالمزيد من عمليات الإبادة. وهو ما يعني أن الحكومة الأميركية خاضعة تماما لإرادة الحكومة الإسرائيلية. في مواجهة ذلك الموقف الرخيص والمبتذل فإن الموقف الروسي والصيني هو أضعف من أن يعبر عن كون الدولتين عظميين. فهما ليستا متواطئتين مع إسرائيل. ذلك ما كنا على يقين منه. ولكنهما لا تفعلان شيئا يؤكد ذلك. أليس في ذلك ما يؤكد أنهما ليستا دولتين عظميين إلا في ملفات مجلس الأمن؟

غرقت روسيا في حرب أوكرانيا. في الحقيقة تم إغراقها. أما الصين فهي عملاق اقتصادي لا تهمه سوى مصالحه. الصين دولة نفعية لم تعد تهمها سوى مصالحها. تهمها أسواقها بالدرجة الأساس. لذلك يمكن القول إن عالمنا اليوم تحكمه إسرائيل سياسيا من خلال هيمنة الولايات المتحدة على العالم.

فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة