دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – أهمية الكرد للإستراتيجية الخليجية

ربما نجح المالكي إلى حد كبير في إضعاف الإقليم وتقزيمه، ولكنه ما زال عاجزا عن استكمال مشواره العدواني بسبب إصرار الشعب الكردي على التصدي والتمسك بكيانه الدستوري ورفضه العودة إلى الدكتاتورية.

مشوار المالكي لم يكتمل بعد
بعد سقوط السلطة البعثية وتفكيك الدولة العراقية عام 2003 وهيمنة الأحزاب الشیعیة وفصائلها على الحكم “المطلق” وتغلغلها في مفاصل الدولة العراقية الجديدة بدعم مباشر من الولايات المتحدة ثم من إيران، كنت أتوقع أن تكون دول الخليج موطئ قدم ثابتا في المعادلة السياسية العراقية يتناغم مع الواقع الجديد، لا أن تنسحب من الساحة وتتركها لقوى إقليمية معادية تتنافس معها على النفوذ والمصالح في المنطقة.

وكما قدمت الولايات المتحدة والدول الغربية العراق إلى إيران على طبق من فضة، فعلت الدول الخليجية الشيء نفسه وانسحبت من الساحة السياسية. ورغم أنها حاولت أن تبني علاقات مع بعض القوى السنية العربية وراهنت عليها لفترة ودعمتها بالأموال لتكون ندا قويا للسلطة الشيعية، سرعان ما أدركت أن القوى السنية أضعف من أن تصمد أمام هذه السلطة وتواجه العاصفة الطائفية الهوجاء التي هبت على المنطقة في ظل ميليشيات وفصائل طائفية، خاصة بعد الحرب الأهلية الضروس التي دارت بين الطرفين المتصارعين السنة والشيعة عامي 2006 و2007 وذهب ضحيتها مئات الآلاف، الأمر الذي جعل القوى السنية تنسحب من المواجهة وترضخ صاغرة للأمر الواقع وتنخرط صاغرة في العملية السياسية وتشارك في الانتخابات تحت إدارة الشيعة وقيادتها بعد أن قاطعتها لفترة.

ورغم ذلك ظلت الدول الخليجية على علاقة بالقوى السنية العربية مع شيء من الانفتاح الحذر على الحكومة والميليشيات التي تتحكم فيها. وطوال مدة تعاملها مع القوى السنية والشيعية لم تلتفت تلك الدول إلى القوى الأخرى السنية الفاعلة في العراق، وهي القوى والأحزاب الكردية التي كان لها نفوذ طاغ ودور مهم في تشكيل العراق الجديد وفي كتابة الدستور وبناء المؤسسات التشريعية والتنفيذية وإعادة تأسيس القوات المسلحة العراقية، وكانت لها اليد الطولى في رسم سياستها الخارجية والداخلية.

◙ دول الخليج أدركت أهمية وجود إقليم كردستان الجيوستراتيجي في الصراع الإقليمي الدائر في المنطقة، فبدأت تتجه ولو ببطء نحو الإقليم لإقامة علاقات دبلوماسية وتجارية معه

تحولت أربيل عاصمة إقليم كردستان إلى ملتقى للوفود الدبلوماسية العراقية والعربية والعالمية، تعقد فيها المؤتمرات. واستمر نجم الكرد في تصاعد لغاية سنة 2012 عندما اتفق قادة عراقيون، هم إياد علاوي وجلال طالباني ومقتدى الصدر ومسعود بارزاني، على سحب الثقة من رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لاتهامه بالتفرد بالسلطة وإثارة الأزمات مع الفرقاء السياسيين وإدارته للفساد، وكاد هؤلاء ينجحون في جمع الأصوات الكافية لتجريد المالكي من منصبه، ولكن فجأة ودون أي مسوغ قانوني وسياسي مقنع تراجعوا عن موقفهم واحدا تلو الآخر تاركين مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان آنذاك في فوهة المدفع أمام المالكي، الذي تحول منذ ذلك اليوم إلى عدو لدود لبارزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني وللإقليم الذي يرأسه.

انتهز المالكي فرصة تشتت الخصوم السياسيين ليحشد قواه ويسخّر إمكانيات العراق المالية والأمنية الرسمية والميليشياوية لضرب بارزاني وتقويض سلطته. ومازالت محاولاته جارية على قدم وساق، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ومن وراء الستار، لإنهاء الإقليم ككيان فيدرالي دستوري وإعادته إلى حظيرة الطائفية.

ربما نجح المالكي إلى حد كبير في إضعاف الإقليم وتقزيمه، ولكنه مازال عاجزا عن استكمال مشواره العدواني بسبب إصرار الشعب الكردي على التصدي والتمسك بكيانه الدستوري ورفضه العودة إلى الدكتاتورية والحكم المركزي المتشدد.

وأدركت دول الخليج، وإن كان ذلك متأخرا، أهمية وجود إقليم كردستان الجيوستراتيجي في الصراع الإقليمي الدائر في المنطقة، فبدأت تتجه ولو ببطء وعلى استحياء نحو الإقليم لإقامة علاقات دبلوماسية وتجارية معه، وبادرت بفتح مكاتبها الثقافية وقنصلياتها في أربيل العاصمة، ولكن دون أن يرتقي ذلك إلى المستوى المطلوب سياسيا واقتصاديا، وظل الشعب الكردي يعاني من العقوبات القاسية التي فرضتها بغداد لسنوات دون أن تحرك هذه الدول ساكنا، غير مدركة تماما لخطورة أن تنجح بغداد في تصفية الكيان الكردي وبسط نفوذها على منطقة تعتبر مهمة وحيوية لأمنها القومي.

محمد واني – كاتب كردي عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة