دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي- أنقرة – واشنطن .. صباح اليوم التالي

يقول وزير الخارجية التركي، مولود شاووش أوغلو، إن العلاقات التركية الأميركية هي فوق الأحزاب والأشخاص، وهي محمية بحكم التحالفات والاتفاقيات الاستراتيجية القديمة. هو لا يتابع ما قاله المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، ردا على تصريحات المرشح في الانتخابات الرئاسية الأميركية، جو بايدن، قبل أشهر عندما كان يقود حملاته الانتخابية، إنه سيدعم المعارضة التركية لإزاحة حكم الرئيس أردوغان، بأن “أيام توجيه التعليمات لتركيا قد ولّت”، وينسى أن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، لم يعرّج على أنقرة خلال جولته الشرق أوسطية، أخيرا، لبحث أكثر من ملف إقليمي يعني تركيا مباشرة.

بقدر ما تستعد أنقرة للمرحلة الجديدة في علاقاتها مع واشنطن، مع دخول جو بايدن البيت الأبيض، فالرئيس الأميركي الجديد حتما يتهيأ لهذه الحقبة الصعبة من العلاقات التركية الأميركية. وأنقرة تناور بايدن منذ 40 عاما، وكل منهما يعرف عن الآخر الكثير في نقاط قوته وضعفه. كانت خلافاتهما، في غالبيتها، حول ملفات الأكراد والأرمن وقبرص واليونان وشرق المتوسط وإسرائيل وروسيا. والأتراك هم الذين خيّبوا آماله، طوال السنوات الأخيرة، لأنهم لم يأخذوا بنصائحه أو تهديداته. حلف شمال الأطلسي (الناتو) هو المتبقي من التعاون والتنسيق الاستراتيجي التركي الأميركي، ورصاصة الرحمة قد يطلقها بايدن، عندما يعلن أن صفقة إس 400 مع روسيا أنهت هذه الشراكة أيضا.

سيواجه الرئيس الأميركي الجديد صعوبة في تبديد الخلافات التركية الأميركية، هذا إذا ما كان راغبا في ذلك. والسبب تزايد حجم نقاط الخلاف وملفات التباعد الإقليمي بين البلدين. ولن يتخلى هذا الرئيس عن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شرق الفرات، وسيرفض العمليات العسكرية التركية في سورية، في خطوة أساسية نحو المشروع الكردي الأكبر، إذا ما قرّرنا تجاهل حقيقة أن بايدن هو نفسه الأب الروحي لمشروع الفيدرالية أو الكونفيدرالية السورية. وهو من أنصار طروحات تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء، ونجحت القوى الإقليمية في عرقلتها. وهو لن يفرط بالعلاقات الأميركية القوية مع دول شرق المتوسط التي تواجه مشكلات كثيرة مع أنقرة. ولن يتراجع عن رفض التقارب التركي الروسي المتزايد على حساب العلاقات التركية مع الغرب، والذي يكاد يتحول إلى تنسيق استراتيجي، على ضوء تمسّك تركيا بصفقة صواريخ إس 400 مع موسكو، ويدعم فكرة سحب الأسلحة النووية من قاعدة أنجرليك العسكرية التركية، ويساند خطة البحث عن قاعدة جديدة بديلة في شرق المتوسط من دون تردد.

ما لا يخفى أيضا أن بايدن يتمسّك باللوبيات الإسرائيلية والأرمنية واليونانية في الولايات المتحدة، وبإعطائها ما تريد من مواقف ومساندة. وله أصدقاء كثيرون في مجموعات “الكيان الموازي” الذين يوفر لهم “الإستبلشمنت” الأميركي الغطاء والحماية في مواجهة مطالبة أنقرة بتسليمهم لها، كانقلابيين وإرهابيين تآمروا على البلاد، وأنه لن يتأخر في دعم المعارضة التركية، طالما أنه دعا إلى ذلك علنا، ومن دون لف ودوران.

بين أولويات الرئيس الجديد أمن إسرائيل الإقليمي وإضعاف إيران وتركيا في مواجهة العواصم المحسوبة على واشنطن أو المقرّبة منها. كان ترامب يخطط لبناء تكتل تركي عربي إسرائيلي في مواجهة إيران، ففشل في ذلك، لكنه نجح في تضييق الخناق على التمدّد الإيراني الإقليمي. وقد يفعل بايدن الأمر نفسه مع تركيا، لصالح الأطراف الإقليمية ذاتها التي تلتقي مصالحها في مواجهة القوتين، التركية والإيرانية. الجواب عند روسيا ومدى استعدادها للرد على استهداف واشنطن لتقاربها مع أنقرة.

حقيقة معروفة لدى الجميع، أن ما ساهم في الحؤول دون قطع شعرة معاوية بين أنقرة وواشنطن هو الحوار الشخصي المباشر بين الرئيسين، ترامب وأردوغان. ولكن بايدن قال إنه رجل مؤسسات، بينها الكونغرس والبرلمان، ولا بد من تفعيل دورها، واحترام ما تقول، على عكس ما تفعله الإدارة الحالية. صحيح أن ترامب لم يعط الرئيس التركي كل ما طالب به في ملفات سورية وشرق المتوسط والكيان الموازي، وتفهم ضرورات صفقة إس 400 الروسية، لكن أردوغان معرّض لخسارة فرص الاتصال برئيس أميركي ساعة ما يشاء، ويقول له كل ما عنده ويقنعه بما يريد. لن يكون الخط الهاتفي بين أردوغان وبايدن فعالا كما كان الحال مع ترامب. وذلك من دون تجاهل حقيقة مرّة أخرى تقترب: بايدن رئيسا ومجلس نواب يقوده الحزب الديمقراطي سيكون أزمة أكبر في مسار العلاقات التركية الأميركية التي ستزداد توترا، إذا ما نفذ بايدن تهديداته، وتمسّك بفريق العمل الذي يعد لاختياره، وهو في غالبيته يناصب العداء لأنقرة تحت سقف البرلمان ومجلس الشيوخ والبنتاغون والاستخبارات. اللاعب الأول والأهم، بعد بايدن في البيت الأبيض، سيكون مستشار الأمن القومي، والأصابع تشير إلى أنطوني بلنكين، صديق بايدن ورفيق دربه، منذ عهدي بيل كلينتون وباراك أوباما. يعرف تركيا أكثر من غيره في الولايات المتحدة، ويعرف نقاط القوة والضعف لدى كل طرف خلال مناقشة الملفات الثنائية والإقليمية. هو الذي شارك حتما في توجيه رسائله التصعيدية أخيرا إلى أردوغان وأنقرة في شهر ديسمبر/ كانون الأول المنصرم.

لن تكون المشكلة، إذا، مع بايدن فقط، بل مع فريق عمله الذي سيرافقه في السنوات الأربع المقبلة. أشخاص ووجوه مهمة أحالها ترامب على التقاعد، بينها مستشار الأمن القومي، جون بولتون، والرئيس الأسبق لجهاز المخابرات، جيمس كومي، والسفير الأميركي الأسبق في تركيا، إريك إديلمان، وهي تتعاون مع بايدن اليوم، وتنتظر لحظة المواجهة الجديدة بفارغ الصبر. وهناك أشخاص وقوى محلية وإقليمية كثيرة تنتظر قدوم بايدن، لتصفية حساباتها مع حكومة العدالة والتنمية، بينها جماعات حمتها واشنطن، بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، وجماعات تستقوي بها في شرق الفرات، وعواصم تتريث الفرصة السانحة في شرق المتوسط، وشخصيات سياسية ديمقراطية، يغضبها التقارب التركي الإيراني والتركي الروسي.

لم يكن الملف التركي حاضرا في المناظرات التلفزيونية بين ترامب وبايدن. لكن رسائل بايدن، وهو مرشح الحزب الديمقراطي، كانت واضحة، ولا يمكن تجاهلها في تركيا. هو لن يبذل جهدا كبيرا لحماية العلاقات الاستراتيجية التركية الأميركية، إذا لم تكن أنقرة ترغب بذلك، خصوصا أن الحديث يدور حول أن فرض عقوبات على تركيا هو بين أولويات بايدن المعلنة، إذا لم تتراجع أنقرة عن مواقفها وسياساتها التي تتعارض تماما مع ما تقوله وتريده واشنطن.

قد يذهب بايدن باتجاه ترميم علاقات أميركا مع دول عديدة، لكن تركيا قد لا تكون منها. التعاون ونسيان ما حدث ليس عنوان المرحلة المقبلة من العلاقات التركية الأميركية بالنسبة لبايدن.

سمير صالحة- العربي الجديد

المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة