دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

جورج صبرة لأوغاريت: العام 2022 أكثر السنوات سوءاً على السوريين.. والفترة القادمة أشد صعوبة في مختلف مناطق السيطرة  

أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – تقترب الأزمة السورية من إنهاء عامها الـ11 مخلفة تأثيرات سياسية واقتصادية، واجتماعية، حيث تتباين التقديرات حول مدى الخسائر التي دفعتها البلاد في المجالات كافة وتداعيات وانعكاسات ذلك على مستقبل السوريين.

عاشت سوريا خلال العام 2022، مجموعة من الأحداث السياسية والاقتصادية المهمة، كما تأثرت بتطورات ومتغيرات إقليمية ودولية عديدة، فالأزمة مازالت مستمرة بل وازدادت صعوبة خاصة فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية التي يبدو أنها ذاهبة نحو انهيار تاريخي وغير مسبوق يشابه إلى حد كبير ما يحدث على الصعيد السياسي والعسكري أيضاً.

وخلال حوار خاص مع الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري، جورج صبرة، ، طرحت شبكة “أوغاريت بوست” العديد من التساؤلات حول قراءة الأزمة السورية في ضوء التطورات والأحداث التي شهدها عام 2022، ومساعي التقارب بين الحكومة السورية وتركيا وهل يمكن أن يساهم ذلك في حل الأزمة، بالإضافة إلى العديد من التساؤلات والطروحات.

وفيما يلي النص الكامل للحوار الذي أجرته “أوغاريت بوست” مع الأستاذ جورج صبرة:

 

 كيف يمكن قراءة الأزمة في سوريا في ضوء التطورات والأحداث التي شهدها عام 2022؟

خطفت الحرب الأوكرانية الأضواء عن الوضع السوري، وصادرت الاهتمام الدولي والإقليمي . كما ساهمت في خروج المؤسسات الرسمية لقوى الثورة المعارضة من دائرة الاهتمام والفعل، وبالتالي خروج القضية السورية من دائرة الضوء ووضعها على رف القضايا المؤجلة دولياً. فاستمر غياب العملية السياسية في جنيف، وتم وضع عملها ومستقبلها طي المجهول. حتى مسار أستانا – سوتشي ووليده المشوه الفاقد لمعالم الحياة “اللجنة الدستورية” لم يتمكنا من مباشرة العمل والاستمرار باللقاءات والمحادثات الخلبية التي تفتقر للجدية المتوجبة. ولم يكن للسوريين وقضيتهم ناقة ولا جمل في مجرياتهما. كما تردت أوضاع اللاجئين ومعاملتهم في دول الجوار جميعها وصارت تهدد مجرد استمرارهم تحت الخيام . ثم طالت حالة التراجع ونقص الاهتمام بالشأن السوري الوضع الإنساني والإغاثي الأممي الذي تقدمه الأمم المتحدة ووكالاتها المختصة والمنظمات الخيرية، فقد تراجع بشكل ملموس، ومهدد بالانقطاع . باختصار كان العام 2022 أكثر السنوات سوءاً على حياة السوريين وقضيتهم منذ بداية الثورة .

أين سوريا من المعادلة الدولية مع الحديث عن تغير التوازنات والتحالفات والظروف الدولية بحكم الأحداث التي يشهدها العالم؟

للأسف ، يبدو أن مجريات العام 2022 والأزمات والحروب الدولية التي شهدها، أخرجت الشعب السوري ليس من دائرة الفعل فقط، إنما من دائرة الاهتمام أيضاً. واستمرت بلادنا ساحة للصراع فيها وعليها في ظل احتدام الصراع الدولي والإقليمي. حيث نشهد مخاضاً صاخباً في النظام العالمي لقديم لم يعد قابلاً للاستمرار وجديد عسير الولادة ولم يولد بعد. وساهمت التحديات والمشاكل الداخلية والإقليمية التي تواجهها روسيا وإيران في محاولة استثمار وجودهما في بلادنا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً كفاعلين إلى الحد الأقصى. وتوظيف استطالاتهما من داخل النظام ومن خارجه لتعظيم الدور والموقع، مستفيدين من تهتك النظام وبنيته، وتدمير الدولة كمفهوم ومؤسسات، وغياب أي شكل من أشكال سيادة القانون والمساءلة. ما أدى إلى إطلاق يد العصابات في كل شيء بطول البلاد وعرضها. وأكسب سلطة بشار الأسد صفة “دولة مخدرات”، وتقول السفارة الأمريكية عنها في بيان رسمي : “سوريا من أكثر الدول فساداً على الأرض “. وللأسف فإن الوضع في المناطق الأخرى، حيث سلطات الأمر الواقع الأخرى ليس أفضل حالاً.

الاقتصاد السوري انهار بشكل كبير في سنة 2022 وبات المواطن يعيش في حالة صعبة بظروف قاسية جداً .. ما أسباب ذلك وهل تعتقد أنه هناك حلول لإنقاذ الاقتصاد؟

عندما يكون اهتمام النظام منصباً بل متمركزاً خلال سنوات على توفير أسباب استمراره فقط وبأي شكل وأي ثمن. وهدف السلطات المحلية ومشغليها في الأماكن الأخرى يتحدد على تعزيز تواجدها ودورها ومهامها في تأمين مصالح الدول الخارجية. واجتهاد الدول المتدخلة منصباً على تثمير ما قدمته لحماية النظام وإعادة تأهيله من مقدرات سورية وشعبها، يصبح من الطبيعي وصول الوضع إلى ما هو عليه اليوم .

انهيار العملة الوطنية ووصول الدولار إلى 7000 ليرة سورية في جميع المناطق داخل البلاد. وتعطل النشاط الاقتصادي الحقيقي المنتج زراعياً وصناعياً وتجارياً لصالح صناعة المخدرات وتهريبها. وتعطل قطاعي الصحة والتعليم ، ووصول 90% من السوريين للعيش تحت خط الفقر، 80% منهم يفتقدون للأمن الغذائي حسب الإحصاءات الرسمية للأمم المتحدة. فوضع كهذا لن يكون بمقدور سلطات متعددة الرؤوس معنية بتنفيذ إرادات الدول وتمكين سلطاتها من الاستمرار، لن يكون بمقدورها، اجتراح حلول إنقاذية للكوارث التي سببتها. لذلك تبدو الفترة القادمة أشد صعوبة على السوريين في مختلف مناطق تواجدهم .

بالتزامن مع الحديث عن الحل السوري .. هناك مساعي للتقارب بين حكومة دمشق وتركيا .. كيف تقرؤون هذا التطور .. وهل يمكن أن يساهم في حل الأزمة ؟

من الواضح أن في الأمر أكثر من تقارب. فهو مسار بدأ منذ فترة، وتلعب القيادة الروسية دوراً محورياً في تسهيل خطواته. لتحقيق ما عجزت عنه عبر طروحاتها في “إعادة الإعمار” أوروبياً، و”عودة اللاجئين” إقليمياً ومن خلال جامعة الدول العربية، وهو إعادة تأهيل النظام . فهي تأمل اليوم أن تحقق ذلك عبر تركيا، التي تتمتع بشروط وإمكانيات أكثر فاعلية من الناحيتين الجيوسياسية والبشرية من جميع الطامحين لدور كهذا في الإقليم .

ومن دون شك سيكون مؤلماً للسوريين ولقضيتهم ومصدراً لخيبة أمل كبرى أن يصب الجهد التركي موضوعياً في دعم النظام والعاملين على تأهيله. وسيكون موضع رفض واحتجاج من النشطاء وقوى الثورة والمعارضة التي طالما كانت مطمئنة للموقف التركي ومستندة عليه. ورغم تفهمنا واحترامنا للدول وأدوارها ومهامها ومصالحها، لكن ماذا عن ملايين السوريين الذين استقبلتهم تركيا بالترحاب، واحتضنت وجودهم كما لم تفعل أي دولة أخرى. ووفرت لهم السلامة والأمن من نظام قاتل ومجرم، اقترف أبشع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية باعتراف العالم أجمع؟ وما يؤلم أكثر أن تركيا من الجهات الإقليمية والدولية الأكثر تأثيراً لأسباب عديدة على السوريين، الذين نالوا نصيباً كبيراً من قائمة الخذلان الدولي، ولا يريدون – بل يصعب عليهم – إضافة تركيا إلى هذه القائمة .

وللمفارقة تأتي هذه الاستدارة التركية بجهودها ومآلاتها في ظروف ارتفاع صوت الاحتجاجات الشعبية في الداخل وبمناطق سيطرة النظام، وهي في ازدياد وتوسع. مما يدل على أن أسباب تفجر الوضع واستمرار الثورة ما زالت قائمة لتحقيق الحرية والكرامة للسوريين وإنجاز التغيير الوطني الديمقراطي في حياة البلاد.

ماذا يعني سيطرة هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة على مناطق واسعة كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة؟

لست خبيراً عسكرياً . لكن يبدو أن الأمر قد تم نتيجة القدرة الميدانية للهيئة في المنطقة، والغطاء الذي تمتعت به من تركيا ، صاحبة الإرادة الدولية الفاعلة في المنطقة.

هل يمكن أن نشهد مرة أخرى ظهور تنظيم داعش الارهابي في سوريا مع الحديث عن ازدياد نشاطه في الشمال والشرق والبادية؟

لطالما كان لهذا التنظيم ومنذ نشأته الدور الوظيفي المتفرد والمستفاد منه، حتى من قبل بعض من يدعي محاربته. من هنا نرى عملية إيقاظه وتفعيله المستمرة والمتناوبة في هذا الموقع أوذاك حيث تبرز الحاجة. وفي الوقت الذي علا صخب القوى الدولية وشركائها الإقليميين والمحليين بالحرب على تنظيم داعش وهزيمته. وبنوا مجداً من ورق مستمراً منذ سنوات عنوانه “الحرب على الإرهاب”، نراه يعود للظهور أو التظهير ليس في الشمال والبادية فقط، إنما في الجنوب وفي محافظة درعا أيضاً. وليس من المستغرب أن يعيد النظام إحياء نشاط لداعش في السويداء لمواجهة انتفاضة الشعب، مثلما سبق أن فعل ذلك فيها.

  كيف تقرأ مستقبل منطقة إدلب والسويداء وشرق الفرات خلال عام 2023؟

ليس من السهولة بمكان قراءة المجريات ونتائجها في ظل المخاضات الكبيرة المستمرة واحتمال الحروب الكامنة والمتفجرة. خاصة في مواقع احتدام الصراع كما يجري ووجود اليد الدولية القادرة فيه. فالصفقات والمصالح المتبادلة وتحقيق المآرب الخاصة بصغيرها وكبيرها هي سيدة الموقف. غير أن مؤشرات الوضع في السويداء تشير إلى أن إرادة الشعب في هذه المحافظة عبر الاحتجاجات المنظمة والمستمرة، والتي تنتقل من الشعارات المطلبية الاقتصادية والاجتماعية إلى المطالب السياسية والفضاء الوطني السوري (هنا السويداء . .هنا سوريا) تشكل رافداً جديداً من روافد الثورة. إلى جانب المجريات الميدانية في محافظة درعا.

  ما توقعاتكم لعام 2023 ؟

ليس من الصعب توقع استمرار الانتفاضة في السويداء وتصاعدها في منظومة مطالبها الوطنية والثورية ضد النظام ،وقد قطعت شوطاً في هذا المجال. وكذلك في درعا وبلداتها مثل جاسم، داعل، تل شهاب، المزيريب، الصنمين، غباغب وغيرها. حيث لم يغادر هتاف الثورة وعلمها سماء حوران منذ بداية الثورة.

وأرى أنه آن الأوان لإنهاء حالة التبدد والانقسام في قوى الثورة والمعارضة وبين النشطاء والنخب الوطنية السياسية والثقافية، ولتباشر جهودها لبناء جسم سياسي لائق بتمثيل الثورة. يتمسك بأهدافها ويحافظ على القرار الوطني المستقل، ويعمل للحل السياسي وفق القرارات الأممية واحترام إرادة الشعب و تضحياته.

حاوره: يعقوب سليمان